“بيئة آمنة” تُفرّح أطفال نهاد الكيلاني وتحسّن واقع النزوح

تتزايد أزمات النازحين في قطاع غزّة، حتى لا تبقى أزمة النزوح في الخيمة أو المدرسة فقط هي المُشكلة، لتكون هناك مشاكل أُخرى، تُعظّم من معاناتهم. واحدة من أكثر أشكال المعاناة التي يعيشونها، أزمات الصرف الصحي وغرق الشوارع والمخيّمات والمدارس، وهي أزمة متكرّرة في مناطق دير البلح وخانيونس، حيث يعيش مئات الآلاف من النازحين.

في مدرسة “رولدف فلتر” الواقعة على شارع صلاح الدين شرقي مدينة دير البلح وسط قطاع غزّة، تعيش مئات العائلات النازحة من مناطق شمال القطاع، خصوصًا عائلات بيت لاهيا، التي لاقت في المدرسة ملاذًا ومهربًا لها من معاناة الحرب. في هذه المدرسة، تعيش نهاد الكيلاني، وهي سيّدة أربعينيّة نزحت منذ بداية الحرب إلى بيتٍ سكنت فيه لمدة أربعة أشهر، قبل أن تتصعّب الحياة، لتضطّرَ إلى النزوح لمدرسة “رودلف فلتر”، مع العديد من العائلات من سكان بيت لاهيا إلى المكان.

أزمة مُتكررة وصعبة 

منذ 10 أشهر، تعيشُ الكيلاني في المدرسة، معها طفليها، وزوجها الذي تحوّل مع الوقت إلى مدير مركز الإيواء، يُساهم خلالها في تسيير شؤون الناس وتسهيل حياتهم، رغم أنّ حياة النزوح، لا تُصبح سهلة مهما حاولَ الناس. بهذا تقتنع نهاد، وغيرها من السيدات في المدرسة. الأزمة الرئيسية التي تُعاني منها المدرسة التي تعرّضت مرارًا للقصف وإطلاق النار خلال عمليات الإخلاء، من قبل الاحتلال، هي أزمة الصرف الصحي، التي تُغرق الشارع الرئيسي المُمتد من طريق صلاح الدين وحتى مستشفى شُهداء الأقصى، الممر الأمامي لبوابة المدرسة، أيّ المدخل الأساسي نحو مركز الإيواء.

تقول نهاد عن معاناتها في المدرسة: “الوضع في كان صعب، برك المياه العادمة كانت تُرهقنا في الشارع وفي المكان.. أطفالي كانوا يعانوا بشكل كبير منها. يتم تصريف المياه نحو الشارع، والشارع وضعه صعب جدًا وتعبان، المياه وسخة بتبرّك في الشارع تعمل أمراض وذباب ورائحة جدًا صعبة. سواء لمن في المدرسة أو أي شخص يمر من المكان. بالنسبة للمكان الملاصق للمدرسة والمكان خلفها، الأهالي يعانوا بشكلٍ كبير”.

يمرُ كلّ يوم أطفال نهاد الاثنين، من بوابة المدرسة نحو الخارج. مريم ابنة نهاد، في عُمر الـ 14 عامًا، تنطلق كل صباح نحو مدرستها للتعلّم في مراكز الإيواء المجاورة، بهدف استكمال تعليمها ودروسها، سعيًا نحو وضعٍ أفضل. تواجهُ الطفلة معاناةً في المرور بالشارع، من خلال وجود المجاري ومياه الصرف الصحي والعادمة، بشكلٍ كبير أمام بوابة المدرسة. طفلها الثاني، في عُمرٍ أصغر، يمرُ من نفس الطريق ويضطرّ كلّ يوم للمرور في المكان، للوصول إلى نقاط شحن الهاتف في المنطقة المجاورة لهم. تدفع هذه الحاجات، إلى معاناةٍ أكبر بالنسبة للسيّدة النازحة في المدرسة، ما يضطرها للغسل بشكلٍ أكبر، ويصعّب من احتياجات المياه وغيرها من التفاصيل الصعبة، التي تُرهق النساء في المخيمات ومراكز الإيواء.

تتحدّث نهاد عن مُعاناة أطفالها قائلةً: “أطفالي كانوا يعانوا بشكل كبير من المشكلة، من المرور والتحرك في الشارع من غرقهم في المجاري وتوسخ ملابسهم وأحذيتهم. أضطر لمساعدتهم والوقوف لهم على الشارع عند الحركة. ابني كل يوم بروح لنقطة الشحن في خارج المدرسة، يضطر كل يوم للمشي من مكان المكرهة الصحية والمجاري، أضطر لأقف عنده ومساعدته، حذاؤه يتسخ ويغرق بالمياه العادمة، وأضطر لتنظيفه، حتى اضطررت لاحقًا لرمي الحذاء”.

مُبادرة “بيئة آمنة”

انطلقت مجموعة من الشباب المُبادرين، لحلّ مشكلة المدرسة، كواحدة من مبادرات عشان فلسطين الذي أطلقت ضمن تدخلات المنتدى الاجتماعي التنموي، بالشراكة مع مؤسسة إنقاذ المستقبل الشبابي SYF وبتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA ومؤسسة التعليم فوق الجميع EAA، بعد أن لاحظوا خطورة المشكلة على النازحين.

ساهم الشباب في حلّ المشكلة جذريًا، من خلال الاستعانة بمختصين في تصريف المياه العادمة التي تُغرق الشارع وتحوّله إلى مكرهةٍ صحيّة كبيرة، وتنظيفه بشكلٍ كامل، وتحويله إلى شارعٍ نظيف ومميّز، أمام بوابة المدرسة. كما حسّنوا من موارد المدرسة، من خلال تحسين وتركيب خطوط الصرف الصحي في المدرسة، وتوفير كل الاحتياجات اللازمة لذلك. بعد ذلك، باتت المياه العادمة تتحوّل إلى تصريفٍ كامل وصحيح، بلا مُشكلات.

انعكس الأمر على نهاد الكيلاني، وعلى أطفالها الاثنين وزوجها، كما انعكس على كُل من يعيش في المدرسة، من مئات العائلات النازحة من بيت لاهيا، والتي كانت تؤرّق الأزمة حياتها، من خلال الروائح الكريهة في المكان، ومن خلال صعوبة المرور بالطريق الملاصق.

تعبّر نهاد عن فرحٍ كبير بالمبادرة، التي خلقت واقعًا أفضل في المدرسة، لتقول: “اليوم قدرنا نتجاوزها بفضل المُبادرة الشبابيّة المُميّزة. حلّولنا مشكلة كبيرة، وساعدت في تحسين حياتنا في النزوح. بعد تنفيذ المبادرة ساهم الأمر في تسهيلها والتخفيف عنا. ما سيسهل حياة النزوح الصعبة، ويُخفف من مشكلات البرك وغيرها من الأشياء السيئة التي كُنا نعاني منها. أثر علينا أن المكان صار صحي، على الأقل نقف من نوافذ المدرسة للنظر للشارع، المكان نظيف أفضل. وضعه أحسن”.

تُعبّر نهاد عن فرحة طفلتها الصغيرة مريم، بالقول “البنت صارت تحكيلي، يا ماما اشتريلي بوت جديد”، تعبيرًا عن فرحها الكبير بنظافة الشارع، وتحوّله من مكانٍ سيء إلى شارعٍ نظيف مميّز، يُعبر عن واقعٍ أفضل يأمل به النازحين في المكان، وفي كلّ أرجاء قطاع غزّة.

One comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *