كريمة عفانة.. من داخل المشهد تصنعُ الأمل

تقفُ كريمة على بعد أمتار من دائرة اللعب الخاصّة بالأطفال في مساحة “مدرسة عبد الرحمن بن عوف” في مدينة غزّة، تنظرُ بعينيها إلى الأطفال الذين يلعبون رفقة زُملائها الشباب المتطوّعين، يخفقُ من قلبها الأمل.. إنهُ الأملُ الذي ملأ قلوب كُل الشباب الذين انضموا لشبكة “معًا نحو الأمل“، وآمنوا فيه.
كريمة عفانة، البالغة 24 عامًا، تخرّجت من تخصص إدارة الأعمال في جامعة الأزهر بغزّة. في البداية كانت تسكُن في منطقة الأمن العام شمال المدينة، لتبدأ رحلة نزوحها سادس أيام الحرب، لم ينزح شخصٌ في القطاع مرةً واحدة، إنما أصبح النزوح عادةً مُتكررة لكريمة ولغيرها من الناس، فهي الآن نازحة في مدرسة “حسن سلامة”، التي ظنّت أنها إيواءً آمنًا، لكن جرى استهداف المدرسة وهي في داخلها، لتكونَ داخل المشهد.
أن أكون في المشهد
تقول كريمة “عادةً بشوف قصف المدارس واستهدافها خلف الشاشات، وما توقعت بيوم أكون في هذا الحدث“.. تتحدّث الشابة وهي تشتاقُ لذكرياتٍ كثيرة في حياتها العادية، مثلًا “صوت مفتاح الغاز المنزلي”، الذي تفتقدهُ أغلب الفتيات والنساء في المدينة المحاصرة، أو اشتياقها لزحمة السيارات في مفترقات غزّة الرئيسية، أو رائحة البيت ودفء العائلة في ليالي الشتاء، بدلًا من ليال النزوح في المدرسة وبين الصفوف المهترئة.
“اشتقت لصحباتي اللي بيني وبينهم مسافات“، تحكي كريمة هذه الكلمات، وهي تُعدد ذكرياتها التي تفتقدها، وتشتاقُ إليها ما قبل الحرب. لكنها تعود لتتذكّر أن أهلها حولها، لا زالوا أحياءً رغم كُل هذه الظروف الصعبة.
لم تتردّد كريمة في التسجيل للانضمام إلى شبكة “معًا نحو الأمل“، فور نشر المنتدى الاجتماعي التنموي إعلانًا عنها، فهي التي انضمّت سابقًا لفريق شباب “يلا تشينج 5″، الذي اقتطعت الحرب فرصته في إكمال دوره وأخذ فُرصته.

تجربة الشابة كانت مُميّزة جدًا، وفقًا لما تقوله، فهي جعلتها تخوض تجاربَ جديدة، فتقول “التدريبات اللي تلقيناها في الفترة الأولى من إنشاء الشبكة والتعرف على المُعلمين، أضافت لخبرتي العملية والعلمية الكثير من المعلومات بخصوص التعامل مع المعلمين والأطفال، كمان زادت مهارتي في تثقيف الأقران”.
وتعتقد كريمة أنّ هذه الفرصة في الانضمام للشبكة، مُهمة جدًا، كونها تعمل في المجال المُجتمعي ومع العديد من المؤسسات، وتضُضيف “زادت خبرتي في الاستفادة من كل المعلومات النظرية التى تم تطبيقها عملي”.
إقرأ/ي: “معًا نحو الأمل”.. شبكة شبابية جديدة في غزّة تتحدّى الظروف
مع الأطفال وإلى جانبهم
شاركت كريمة في افتتاح المساحات التعليميّة في مدرستيّ فلسطين وعبد الرحمن بن عوف، واللتان افتتحهما المُنتدى الاجتماعي التنموي، ضمن شراكته مع “يونسيف“، وذلك بعد أخذ تدريبٍ شامل، يجمع أعضاء الشبكة والمُعلمين.

الافتتاح كان مُميّزًا ومُختلفًا. هكذا تقول كريمة، التي شاركت في استقبال الأطفال. ابتساماتهم لا تفارق وجوههم، حيث رأوا خيمتهم التعليميّة المُميّزة، فيها الملصقات التعليميّة والكتب والأوراق والقرطاسية، ما أعادهم قليلًا لأجواء الدراسة.
ساهمت كريمة أيضًا في تجهيز محتويات الخيمة والترتيبات المُهمة اللازمة مع زملائها المتطوعين ومع المُعلمين، قبل أن تعمل على تنشيط الأطفال والمشاركة في اللعب والترفيه معهم، في خطوةٍ لافتة بهدف جذبهم للعملية التعليميّة في المكان.
بالنسبة إلي هذا أمر مُهم، الأطفال انحرموا من أبسط حقوقهم، استمرت الحرب أكثر من 400 يوم بدون تعليم، وعودتهم لمقاعد الدراسة ولو في خيمة خطوة مهمة جدًا، بتخلينا كشباب عنا أمل أكتر وبنحاول ونساعد أكتر.
تتحدّث كريمة عن مشاركتها في المساحة التعليمية
وتُضيف الشابة “تلقينا دعمًا كبيرًا وقبولًا وافرًا من الطلبة المتواجدين في مراكز الإيواء وقت افتتاح المشروع التعليمي وحبهم للتعليم وطريقة الدراسة المنهجية على كرسي وطاولة كما قبل الحرب مسبقا، وأيضًا حبهم لنظام الأنشطة الترفيهية وتقبلهم للمعلمين من خلال مرونة تعاملهم معهم”.

من أجمل الأشياء التي عايشتها كريمة مع غيرها من الشباب، تعرّفها على المتطوعين من زملائها الذين اندمجوا معًا في العمل والدعم للمساحات التعليميّة.
تقول “عشان نفس التجربة والمعاناة، المجاعة وتجربة النزوح، استطعنا أن نفصل بين هذه الظروف وبين الذهاب إلى تدريبٍ مُميّز نعيش فيه ظروفًا أخرى ونتعرف على غيرنا من الأقران، نحاول ونساعد، ونتعلم المهارات”.
تعرفت على ناس جديدة وروحها حلوة وعندهم مهارات مختلفة وبنتبادل هاي المهارات مع بعض وبنعطى فرص لبعض، على صعيد الشبكة كان هاد اشي كتير جميل اما على صعيد المنتدى ككل خلال افتتاح المساحة التعليمية الخاصة بشبكتنا اتعرفت على باقي أعضاء المنتدى من خلال مشاركتهم معنا وكانت فرصة عظيمة لاني كنت اتمنى اني أكون من عيلة المُنتدى.
تتحدّث كريمة عن زملائها المتطوعين

تعتقد كريمة أنّ وجودها داخل شبكة معًا نحو الأمل، وكعضو في شبكة شباب المُنتدى، فرصة مميّزة لها لتحاول أكثر، لتعيش الأمل الذي اتخذته الشبكة عنوانًا، رغم الظروف التي تعيشها في مناطق شمال قطاع غزّة ورغم المجاعة والحصار.. وهي تُرسل رسائل الأمل، من هُناك إلى الجنوب، حيث زملائها الآخرين الذين لم تلتقِ بهم بعد!