آية أبو جهل.. تتحدّى الفقد بمساعدة الناس ودعم الفتيات
من حياةٍ آمنة وسهلة، بين الأهل والأحبة والأصدقاء، وبين عالم العمل المُجتمعي والأنشطة، إلى حياة النزوح والفِراق والوجع.. قصةُ آية أبو جهل، لا تختلفُ كثيرًا عن قصص الفلسطينيين خلال عامٍ من الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، إلّا أن لآية كلمتها، ومحاولاتها.
بلغت آية 22 عامًا في الأشهر الأخيرة، وكانت قد تخرّجت من الجامعة في تخصص الترجمة الإنجليزية. كانت تسكنُ في أبراج حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزّة، قبل أن تمسحَ الحربُ ملامح المنطقة هُناك، لتُصبح نازحةً في حيّ الدرج وسطَ المدينة.
تقول آية “قبل الحرب، كانت حياتي كلها أمان وبين أهلي، كانت تتمحور حول الروتين اليومي والعمل، وكانت الأمور طبيعية إلى حد كبير. كان الأمل كتير كبير ورح يكون المستقبل أفضل ومليان نجاحات”.
لم ترحَم الحرب آية ولا غيرها من الفتيات الفلسطينيات، فقد فقدت شقيقها نتيجةً للعدوان في أيامه الأولى، وفقدت والدها في وقتٍ لاحق، بعد قصفهم من قبل الاحتلال. نجت آية، وأصبحت الناجيةَ الوحيدة من عائلةٍ جميلة، لكنّها لم تركِن للألم والمُعاناة، ولم تتوقّف عن محاولاتها، رغم اختلاف الشكل والنمط.
تتذكرُ آية حياة ما قبل الحرب، وتقول “كنت بشارك في العديد من المبادرات المجتمعية، مثل الحملات التوعوية والمساعدة في تنظيم الفعاليات الثقافية. كانت الأنشطة بتعزز الروابط بين الناس”.
أمّا عن الحرب، فتتحدث “في الحرب، تغيرت الأمور بشكل جذري. العمل المجتمعي أصبح أكثر أهمية، تسليط الضوء بشكل كبير على عائلات الشهداء والمصابين والأطفال الي عندهم سوء تغذية، بشارك في أنشطة تدعم النازحين وأساعدهم على تلبية احتياجاتهم و تكون أيامهم ماشية بسهولة رغم المعاناة الموجودة”.
أمّا عن الاختلاف ما بينَ الزمنيْن، فتقول الفتاة المُبادِرة “قبل الحرب، كانت الأنشطة أكثر هدوءاً ومنظمة، بينما بعد الحرب، أصبح العمل أكثر عفوية وملحّة، مع شعور قوي بالحاجة للتغيير، وتلبية الاحتياجات الأساسية الغير متوفرة”.
شاركت آية في العديد من المُبادرات، قبل الحرب كانت في مُبادرات وورش عمل وتوعية للشباب، أمّا في الحرب فتحوّل دورها لتوزيع المساعدات والمساهمة في مراكز الإيواء وغيرها من المُبادرات المُختلفة، ومن بينها “مُبادرة خيمة البنات” التي نفّذتها آية رفقة المُنتدى الاجتماعي التنموي SDF، وفي إطار عمل شبكة الشباب فيه.
تحكي آية عن هذه المُشاركات، فتقول “أشارك في العمل المجتمعي لأني أؤمن بأن كل شخص يمكن أن يحدث فرقاً. في ظل الظروف الحالية، يصبح من الضروري التعاون لتجاوز الأزمات.. شاركت في مبادرات مختلفة، مثل تنظيم ورش عمل للشباب وفعاليات لتوزيع المساعدات بكل اشكالها، أنشطة ترفيهية للأطفال”.
كان لآية الدور في تنسيق الأنشطة في “خيمة البنات، وجعل الفتيات يشعرن بالأمان والانتماء مع تسجيل بياناتهم، فتقول “عملنا على خلق بيئة تشجع الحوار”.
يوم تنفيذ المُبادرة، يومٌ مليء بالحماس بالنسبة لآية، عدا عن الإنصات الجيّد للفتيات. تنسيقُ مُميّز، ومجموعة من الأنشطة التفاعلية، هي التي خلقت شكلًا رائعًا لعمل المُبادرة، سهّل من تنفيذها من قبل الفتيات المُشاركات فيها.
عن تفاعل الشباب والفتيات في المُبادرة وتنفيذها، تقول “الشباب كانوا متحمسين جداً، وأظهروا روح التعاون والرغبة في تحسين الوضع. الحماس كان ملهمًا.. تفاعل البنات والناس كان إيجابيًا جدًا، هدفها مساعدتهم وتوعيتهم بأمور مهمة جداً في ظل الظروف الصعبة التي نمُر بها، وما مدى أهمية مداخلات البنات وسماع أسئلتهم الشخصية بأمور تفيدهم بشكل أكبر في الحياة”.
ساهمت المُبادرة بخلق أجواءٍ مُختلفة للفتيات، ومساهمةً لافتة في تقديم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناس في ظل الظروف الصعبة، وتعزيز روح الأمل والتعاون بين أفراد المجتمع.
استهدفت الخيمة التي تم تنفيذها في محافظتيْ غزة والشمال، نحو 300 فتاة وسيّدة، حيث جاءت بهدف رفع الوعي بالنظافة الشخصية للمراهقات والسيدات في ظل شح موارد النظافة، وقد شملت ورشاتٍ توعوية وتوزيع طرود النظافة الشخصية.
تنفيذ الخيمة جاء على عدّة مرّات، الأولى في مقرّ المنتدى الاجتماعي التنموي بمدينة غزّة، ومرتيْن في مدرسة فلسطين وفي مدرسة أبو حامد الغزالي، حيث يتواجد آلاف النازحين.
أهمية المُبادرة في هذا الوقت، تأتي من الحاجة الماسّة لما تم تقديمه من قبل الشباب المُبادرين، للجمهور وللمواطنين الذين بات أغلبهم نازحين هاربين من منازلهم، فقدوا حاجاتهم، وباتوا بلا أيّ أدوات، بما فيها الأدوات الصحية وأدوات التنظيف، التي وصلت أسعارها إلى وضع خيالي، لا يُصدّق.