الصُعوبات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في أوقات الطوارئ

معكم 10 دقايق تِخلوا.. رح نقصف البيت.

عشرةُ دقائقَ لتُبلِغ زوجتكَ وعائلتك بهذا الخبر الصاعق، عشرةُ دقائق ستركضُ خلالَها لحَملِ أطفالِكَ، وتُحاول أخذ أهم ما تملك: أوراق ثبوتية، مال، ملابس، وربّما نظرات أخيرة لمنزلك الذي لن تراه مُجدّدًا، وستتفقّد سريعًا أفراد عائلتك للتأكد من خروج الجميع ثمّ ستُكمل الركضَ معهم مُغادِرين نحو ناصيةِ الشارع.

على صعوبة هذا المشهد، حتى لمجرّد تخيّله، إلّا أنّ يمثّل “كابوسًا حقيقيًا” إذا ما واجهه شخصٌ لديه إعاقة!

سعدي محمد المصري (37 عامًا)، لاعبُ مُنتخب فلسطين لكرة القدم- للأشخاص ذوي البتر، وهو أبٌ لأربعة أطفال، من سكان بلدة بيت لاهيا شمال غربي مدينة غزة، عاش هذا الكابوس بكل ثِقلِه وتفاصيله، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو 2023، حين تلقّوا اتصالًا من جيش الاحتلال يُطالبهم بإخلاء المبنى بأكلمه، تمهيًدا لقصفه بالصواريخ الحربية!

المبنى مكوّنٌ من طابقيْن، كلُّ طابقٍ فيه أربعُ شققٍ، والبناية فيها عشرون شخصًا بين أطفال ونساء ورجال، ماذا سأفعل في عشرة دقائق، كيف سأنقذ نفسي وزوجتي وأطفالي وبقية عائلتي؟ كانت لحظات صعبة جدًا.. لقد عِشنا رعبًا حقيقيًا.

يقول سعدي

قصف منزل لاعب منتخب فلسطين للأشخاص ذوي البتر، سعدي المصري

ورغم صعوبة استعادة هذه اللحظات، إلّا أنّ سعدي، شاركنا أقساها، وهيّ الصعوبة المُضاعفة التي واجهها خلال عملية الإخلاء، كونه من الأشخاص ذوي الإعاقة- لديه بترٌ في قدمه اليُسرى من أعلى الرُكبة؛ يقول “حاولتُ مغادرة المنزل بأسرع وقت ممكن، لكنّ هذا كان صعبًا للغاية، كوني أستخدم كرسيًا مُتحرّكًا، والجميع من حولي كان يُحاول مُساعدتي، وبسبب صعوبة الحركة كنتُ أستعينُ بصوتي وأصرُخ حاثًا أطفالي وعائلتي لمغادرة المنزل قبل أن يتم قصفه فوق رؤوسنا.”

بضعُ خطواتٍ استطاع بها الابتعاد عن المبنى، مع عائلته، لم تكُن كافية لالتقاط أنفاسهم، حتى تم قصف منزلهم بصاروخ “تحذيري”- يُطلَق من طائرة بدون طيار– تبِعَهُ بعد خمس دقائق صاروخ F16 ليُدمّر المبنى بالكامل. يختصر سعدي سردَ هذه الدقائق، بكلماتٍ متثاقلة، وغصّة فضحتها نبرتُه عبر الهاتف “في لحظة.. خلال ثواني.. البيت صار رماد!

قصف منزل لاعب منتخب فلسطين للأشخاص ذوي البتر، سعدي المصري

وبدأ الاحتلالُ الإسرائيليّ عدوانًا على قطاع غزة فجر 9 مايو 2023، لا يزال مستمرًا حتى كتابة هذه السطور. راح ضحيّته 33 شهيدًا، منهم شخصٌ من ذوي الإعاقة واثنانِ من كبار السن، فضلًا عن إصابة 147 آخرين، منهم 10 مُسنّين وجريحة أُصيبت بشلل نصفي وأصبحت من ذوي الإعاقة.

يوضح لنا سعدي أكثر مُعاناةَ الأشخاص ذوي الإعاقة تحديدًا في عملية الإخلاء خلال أوقات الأزمات والطوارئ “العشر دقائق لا تكفي ليقوم شخص لديه إعاقة بالإخلاء من منزله بطريقة آمنة وسليمة، وبدون أيّة أضرار أو إصابة، وأن يأخذ معه احتياجاته، خاصة المتعلقة بالإعاقة، مثل أدوية أو أجهزة معيّنة”.

ويُكمل عن خصوصيّة عملية الإخلاء للأشخاص ذوي الإعاقة بالإشارة إلى أنّ بعضهم يُعاني من شلل ويستخدمون كرسيًا متحركًا أو أكياسًا للبول، وغيرهم ممّن تصعُب عليهم الحركة، هؤلاء بحاجة لوقت كافٍ ليتم إجلاؤهم إلى مكانٍ آمن بدون أن يُصابوا أو يتعرّضوا لمُضاعفات في حالتهم الصحية بسبب تبِعات الإخلاء.

قصف منزل لاعب منتخب فلسطين للأشخاص ذوي البتر، سعدي المصري

بعد تدمير منزله، يسكن سعدي- مؤقتًا- في منزل أحد الأقارب، وعن هذا يقول إنّه “فصلٌ آخر من المعاناة؛ فلا تُوجد أماكن مُخصصة للجوء الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة، والبيوت التي يلجأون إليها في حالات الطوارئ غير موائمة لاحتياجاتهم ولا لطبيعة الإعاقة”. ويُضيف “خرجتُ من المنزل بسلام.. لكنّني أسكن الآن بيتًا غير مهيّأ ولا مواءَم؛ لا أعرف تفاصيله وغير معتادٍ عليه، وهو ما يجعل من استخدام حتى دورة المياه أمرًا شاقًا، قد يُعرّضني للوقوع والإصابة”.

بطلُ السباحة على مستوى فلسطين، ولاعب المنتخب الوطني للأشخاص ذوي البتر، ولاعب منتخب كرة السلّة- جلوس، حقّق كل هذه الإنجازات وحصد جوائزها التي لا تزال مدفونة تحت رُكام منزله المُدمّر، ناشدَ المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقيّة لتوفير حماية خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة خلال أوقات الطوارئ، وإعداد خُطط مُسبقة لعمليات الإخلاء، تُراعي توفير أماكن لجوء مُوائمة.”

جدير بالذكر أن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة تُشكّل حوالي 7% من إجمالي عدد سكان القطاع، يُواجهون صعوبات عديدة على مستوى الرعاية الصحية والخدمات وغيرها، يتّسع تأثير هذه الصعوبات خلال أوقات الطوارئ، سيّما في ظلّ الأزمات الإنسانية التي يتسبب بها الاحتلال الإسرائيلي وتداعيات هجمات العسكرية المتكررة وسياسات حصاره غير القانوني لقطاع غزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *