بأيدي الشباب وقيادتهم.. إنطلاق المرحلة الأولى من مبادرات “الهاب الشبابي” في غزّة

أطلق “الهاب الشبابي” التابع للمنتدى الاجتماعي التنموي في قطاع غزة، المرحلة الأولى من مبادراته الشبابية المجتمعية، التي تتركّز على التوعية المجتمعية والصحية، والتثقيف، وتعزيز الأمن المجتمعي، ودعم النازحين والاستجابة لوقت الطوارئ.
صمم المُبادرات وقاد تنفيذها مجموعة من الشباب والشابات الذين تلقّوا تدريبًا مكثفًا مسبقًا، على يد نُخبة من المدربين، ضمن مشروع بناء قدرات “الهاب”، الذي يهدف إلى تمكين الشباب في الأزمات وتحفيزهم للعب أدوار فاعلة في مجتمعاتهم، والذي ينفّذه المنتدى بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA.
تمكين شبابي لمواجهة التحديات
تأتي هذه المبادرات كجزء من تدخل شامل لتعزيز صمود المجتمعات المهمشة والمهجّرة في قطاع غزة، من خلال مبادرات يقودها الشباب، وتهدف إلى: تمكين الشباب من المساهمة في بناء السلام وتعزيز الأمن المجتمعي ضمن أجندة الشباب، السلام، والأمن (YPS)، وتنفيذ تدخلات تركز على التماسك الاجتماعي وتحقيق أثر مجتمعي مستدام، وتوفير نماذج ريادية في العمل الشبابي القائم على المبادرة والاستجابة للاحتياجات الحقيقية في ظل الأزمات.
10 مبادرات شبابية رائدة
انطلق قطار المُبادرات في شهر يونيو 2025، حيث شهد عدة مُبادرات، من بين 10 مبادرات شبابية مجتمعية ضمن المرحلة الأولى، تستمر حتى نهاية العام.
وتقول ياسمين مهنا، منسق المشروع، إنّه هناك “توسّعًا متوقعًا خلال المرحلة الثانية في التنفيذ، التي ستشمل 30 مبادرة إضافية”.
وترى مهنا أن هذه المُبادرات فرصة مميّزة للشباب، لتطبيق وتنفيذ مهاراتهم التي تلقوها خلال التدريب، وخطوة أولى نحو التغيير داخل المُجتمع وزيادة التوعية، ومساعدة فئات مختلفة متضررة من الظروف التي يعيشها المجتمع الفلسطيني في غزّة.
مبادرات مواءمة مع الظروف الغزيّة
وتتمحور المبادرات حول الصحة النفسية، التثقيف الصحي، التمكين الثقافي، والفنون كأداة تعبير، وركّزت على الفئات الأكثر تهميشًا، لا سيّما الفتيات، الأطفال، وذوي الإعاقة.
وجاءت عناوين المُبادرات العشر التي قاد تنفيذها شباب “الهاب”، كالتالي:
- دورة الوجود: مُبادرة توعية صحية للفتيات المراهقات حول الدورة الشهرية والنظافة الشخصية.
- شاشة تحكي وعي يحمي: مبادرة تتضمّن نشاطًا نفسيًا تفاعليًا للأطفال لمكافحة التنمر من خلال عروض سينمائية وألعاب.
- دوري المعرفة (وعيّك حياة): مبادرة تأتي كمسابقة ثقافية حول الصحة الإنجابية والنظافة الشخصية للمراهقين.
- ركن حنية: مبادرة لدعم الأمهات المرضعات في المخيمات وتعزيز مهارات الغزل لخفض التوتر.
- لون حلمك: مبادرة فنية توعوية تعزز وعي الفتيات بحقوقهن عبر المسرح والرسم دون طرح مباشر لقضية الزواج المبكر.
- جورنال للذاكرة: تعزيز الصحة النفسية والانتماء الثقافي للفتيات من خلال دفتر تفاعلي وجلسات حكواتي ودبكة.
- إبرة وهوية: مبادرة لاستخدام التطريز الفلسطيني لدعم الفتيات نفسيًا في مراكز النزوح.
- نزرع أمل.. نلوّن حياة: مبادرة لتحويل المخيمات إلى فضاءات ملونة وإنسانية بقيادة مراهقين.
- مساحة نفس: مبادرة لدعم الصحة النفسية لشبكة شباب المنتدى عبر جلسات تفريغ واسترخاء.
- ركن يشبهني: نشاط إبداعي مع الأطفال لصنع “بيت الأحلام” كمساحة آمنة للتعبير والخيال.
تفاعل وفَرَح
وفي نظرة على الميدان خلال تنفيذ المُبادرات، نجد أنها ساهمت بشكل فعل في زيادة وعي الفئات المستهدفة، خصوصًا اليافعين والفتيات، إذ أبدى الكثيرين منهم رأيًا إيجابيًا عن الدور الذي لعبته المبادرات داخلهم.
وقالت سهام محمود صقر، 15 عامًا، والتي شاركت في مبادرة “دورة الوجود” في مركز إيواء مدرسة بشير الريس، إن المبادرة كانت جملة وفعالة، ومفيدة، وقدّمت شكرها للشباب المتطوعين، والفتيات اللواتي كان لهن الدور والأثر في نقل معرفة سريعة وسلسة لليافعين.
أما سالي حمودة، 15 عامًا، في نفس المبادرة، فقد قالت: “استفدت كثير اليوم مثلاً عرفت كيف انه ما اخجل من حدا بسبب الدورة زورونا كل يوم”.
الشباب يعبّرون عن تجاربهم
لم تكن المبادرات المنفّذة مجرد أنشطة عابرة، بل حملت معها تجارب إنسانية عميقة، عبّر عنها الشباب المشاركون بحماس وفخر، مؤكدين أثرها الحقيقي في المجتمعات، وفيهم شخصيًا.
رولا عاشور (20 عامًا)، وهي إحدى المتطوعات في مبادرة “شاشة تحكي وعي يحمي”، وصفت المبادرة بأنها لحظة اكتشاف لقدرة الفن على إحداث تغيير فعلي، قائلة: “كانت من أكتر المبادرات اللي حسّيت فيها بقديش ممكن التغيير يصير بطريقة بسيطة وممتعة. من خلال السينما والمسرح والتلوين، قدرنا نوصل فكرة مهمة عن التنمّر للأطفال، بطريقة قريبة منهم ومليانة وعي واختلاف. كانت تجربة مميزة وبتشبههم”.
أما مبادرة “دوري المعرفة”، فكانت مساحة للمعلومة والمرح معًا، وقد قال شريف صالحة (25 عامًا)، أحد المشرفين على المبادرة: “مبادرة ثقافية صحية تخللت الكثير من الأنشطة الترفيهية والمسابقات المثمرة. شارك فيها كلا الجنسين، وكان الجميع متحمسًا ومترقبًا للفريق الفائز. تمت بنجاح وبوركت جهود الجميع”.
من جهته، أشار عماد بدير (21 عامًا) إلى الأثر الكبير الذي تركته المبادرة على الأطفال المشاركين، قائلًا: “دوري المعرفة كانت إشي أحلى من أنو يُوصف كمبادرة.. زادت الحماس عند الأطفال، وفرغوا عن طاقتهم، وعرفوا معلومات جديدة بطريقة مش هينسوها أبدًا. ومبسوط كتير إني كنت جزء من هذه المبادرة الرائعة”.
وفي مبادرة “نزرع أمل.. نلوّن حياة” التي سعت لتجميل المخيمات ونشر الأمل عبر الفن، عبّر أحمد فريد زقوت (23 عامًا) عن تجربة إنسانية حافلة بالمعنى: “في ظل الألم والدمار، قررنا أن نزرع أملًا ونلوّن حياة. مُبادرتنا كانت صوتًا للإنسانية، ولمسة دفء لأرواح أنهكتها الحرب. لأننا نقر بأن اللون يصنع فرقًا، وأن الأمل لا يموت ما دام هناك من يؤمن به”.
حياة الخيم مش حاجة ممكن نجملها، بس هي واقع مجبورين نتقبله. عشان هيك، حاولنا قدر الإمكان تحسين البيئة البصرية في المخيم بالألوان والرسومات المبهجة، ونشر الأمل والانتماء وسط ظروف الحرب القاسية باستخدام الفن والمجتمع.
فرح هشام الحلو (23 عامًا)
توسّع وأثر أكبر
عقب تنفيذ المرحلة الأولى من المُبادرات، التي لا زالت مُستمرة، سيُطلق “الهاب الشبابي” المرحلة الثانية، التي ستتضمّن دعوة مفتوحة لتقديم مبادرات شبابية شاملة تستهدف شرائح أوسع، مع دعم مالي وفني مباشر من خلال منصة “بنك المبادرات”، إضافة إلى جلسات إرشاد، وتقييم جودة المبادرات ضمن نظام مخصص.
ومن المُقرر أن تتركز المرحلة القادمة على استهداف الفئات الأكثر تهميشًا، خاصة الأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص من أصحاب البتر، تعزيز القيادة الشبابية والمشاركة المدنية، الوصول إلى ما يزيد عن 3000 مستفيد من المجتمعات المختلفة.
عن “الهاب الشبابي“
“الهاب الشبابي” هو مساحة مرنة ومفتوحة أنشأها المنتدى الاجتماعي التنموي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، بهدف تعزيز دور الشباب الفلسطيني، لا سيّما في أوقات الأزمات والطوارئ.
يوفّر “الهاب” فرصًا للتدريب، المبادرة، والتشبيك، ويعمل كمُسرّع لقيادة شبابية مجتمعية قادرة على صناعة التغيير من داخل المخيمات والمناطق المهمشة.
تؤكد التجربة أن الشباب الفلسطيني، حتى في أحلك الظروف، يملك القدرة على الفعل والتأثير، وصناعة الأمل من قلب المعاناة، وتُعد المبادرات دليلًا حيًّا على طاقة شبابية لا تعرف الاستسلام، بل تصنع الحياة من تحت الركام.