حسن أبو قمر.. من المشاريع والكتابة إلى صوت التغيير في “يلا تشينج”

في خيمة صغيرة وسط دير البلح، يجلس حسن سمير أبو قمر، شاب لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، لكنه يحمل في حديثه نضجًا أكبر من سنّه، وتجربة غنية بتفاصيلها بين الحرب، والنزوح، وريادة الأعمال، وصولًا إلى الكتابة الصحفية والعمل المجتمعي. 

يقول حسن بابتسامة خفيفة: “أنا حسن أبو قمر، عمري 18 سنة، خريج توجيهي 2006، قبل الحرب كان عندي بيزنس اسمه Success Store.. كنت أبيع منتجات وأتعرف على ناس، لكن الحرب غيرت كل شيء”.

كان مشروعه الصغير مصدر فخره ونافذته الأولى إلى عالم ريادة الأعمال، إلا أن الحرب أوقفت كل شيء. توقّف عمله بعد أن بات من المستحيل إدخال البضائع من مصر، وأصبح البقاء على قيد الحياة هو الإنجاز اليومي.

الكتابة والبحث عن الذات

مع ذلك، لم يتوقف حسن عن البحث عن ذاته، فقد تنقّل بين محاولات التعلم الذاتي، فبدأ بدراسة اللغة الإسبانية ثم الإنجليزية، وشارك في دورات متخصصة في بناء المواقع الإلكترونية وكتابة المحتوى.

في إحدى فترات النزوح، كان يحمل دفتره الصغير وقلمه ويكتب عن الحياة في غزة تحت القصف، ليكتشف موهبته في الكتابة الصحفية. 

سرعان ما تحوّلت تلك المحاولات إلى عمل حقيقي، إذ نشر أول مقال له عبر منصة We Are Not Numbers، ثم واصل الكتابة في وسائل إعلام عالمية مثل الجزيرة، ذا غارديان، ذا نيشن، واشنطن ريبورت. لم تكن مجرد مقالات، بل صرخات شاب يسعى لإيصال صوت مدينته إلى العالم.

لكن الكتابة فتحت له أيضًا بابًا من الأسئلة الصعبة، إذ بدأ يتلقى رسائل من متابعين في الخارج يرغبون بتقديم المساعدة لأشخاص كتب عنهم، غير أنه لم يكن يعرف كيف يدير هذه المبادرات بشكل آمن ومنظّم.. ولم يعرف أنَّ في برنامج “يلا تشينج” نقطة التحوّل.

“يلا تشينج” يخلق التغيير

شارك حسن في الموسم السادس من برنامج “يلا تشينج” الذي ينفذه المنتدى الاجتماعي التنموي بالشراكة مع جمعية المساعدات الشعبية النرويجية (NPA) في غزة والضفة الغربية، خلال شهر سبتمبر 2025. 

وجد في البرنامج مساحة حقيقية للتعلم والمشاركة والتعبير، وأدرك أنه يمكن تحويل طاقته الفردية إلى تأثير جماعي ملموس.

خلال ستة أيام تدريبية مكثفة، تعرّف حسن إلى محاور عدة مثل المواطنة، المناصرة، والمبادرات المجتمعية.. لكن محور المناصرة كان الأقرب إليه، لأنه لمس واقعه بشكل مباشر، ففي جلسات التدريب، تعلّم كيف يمكن توجيه الجهود بشكل فعّال نحو الاتجاه الصحيح.. عرفَ حسن كيف تُكتب رسائل الضغط والمناصرة بطريقة مهنية تؤدي إلى نتيجة.

 

تعلّمنا كيف نكتب رسائل مناصرة بطريقة صحيحة.. يعني ما بزبط تطلب من منظمة الصحة العالمية تفتح المعبر، لازم تعرف الجهة الصح.. هذا الإشي لمسني لأنّي مرات بدور على منح أو فرص إجلاء، وصرت أعرف كيف أوجّه طلبي لمين.

حسن أبو قمر، مشارك في برنامج يلا تشينج 6

خلال حديثه عن التجربة، بدا واضحًا أنه وجد في هذا الجانب أداة جديدة للتأثير، تتجاوز حدود الكتابة، فقد صار يعرف كيف يربط بين احتياجات الناس وبين المؤسسات القادرة على تقديم الدعم، بطريقة منظّمَة ومُحّددَة.

من جانبه، رأى حسن أن برامج مثل “يلا تشينج” لا تكتفي بتدريب الشباب، بل تخلق فيهم الثقة بأنفسهم، وتفتح لهم الأفق نحو المستقبل. في مجتمع يعيش معاناةً مستمرة ويكافح للبقاء، تمنح هذه البرامج الشباب شعورًا بالقدرة على المبادرة والتغيير، وتعيد إليهم الإيمان بأن لأصواتهم أثرًا حقيقيًا.

لم يكن التدريب مجرد جلساتٍ تدريبيّة بالنسبة لحسن، بل تجربة إنسانية تركت أثرًا عميقًا فيه، كما أنَّ علاقته بفريق المنتدى الاجتماعي التنموي كانت مليئة بالود والتقدير، وشعر أن بينه وبين المُنسقين رابطًا إنسانيًا قويًا يتجاوز الفروق في العمر أو الخبرة.

خطوة أولى

بعد انتهاء المرحلة التدريبية، لاحظ حسن كيف بدأ أصدقاءه ومتابعيه على وسائل التواصل يسألونه عن “يلا تشينج“.. كثيرون تمنوا لو تتاح لهم فرصة مماثلة، وهو ما يراه مؤشرًا على تعطّش الشباب الفلسطيني لمثل هذه المساحات.

في ختام تجربته، بدا حسن أكثر وعيًا بنفسه وبأثره. يتحدث الآن عن المستقبل بثقة، وعن رغبته في النزول إلى الميدان والتفاعل مع الناس، وكتابة قصص جديدة تنبع من الواقع وتلامس الإنسانية.. يرى أن ما رآه خلال الحرب يجب ألا يُنسى، بل يتحوّل إلى التزام داخلي يحمله معه أينما ذهب، ليواصل نقل معاناة الناس وقصصهم، ويحاول – بطريقته – أن يكون جسرًا بين غزة والعالم.

يقول وهو يبتسم: “حتى لو ما تغير شيء، المهم إننا نحاول.. يمكن الكتابة ما توقف الحرب، بس ممكن تغيّر شخص، وشخص واحد ممكن يغيّر كتير”.

بهذا الإيمان البسيط والمُلهم، يمضي حسن في طريقه، حاملًا قلمه وشغفه، مؤمنًا أن التغيير يبدأ دائمًا من فكرة، ومن خطوة أولى.. حتى لو وُلدت وسط الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *