طموح لا تحده الإعاقة

كثيراً ما تقف الإعاقة الجسدية حاجزاً بين ذوي الإعاقة وطموحاتهم وانجازاتهم التي يمكن أن يحققوها في حياتهم، وغالباً ما تكون الإعاقة دافعاً للعزلة والانطواء وسبباً لعدم الجد والاجتهاد، ولكن هناك من يعانون من إعاقات معينة أصروا وكافحوا وتحدوا المستحيل من أجل إثبات أنفسهم وإثبات قدراتهم في قدرتهم على إثبات الذات.

إسراء أبو لحية شابة في منتصف العشرينيات من سكان مدينة خانيونس بمنطقة القرارة، تعاني من ضعف شديد بأطرافها اليسرى، ورجفة في يدها اليمنى، بسبب حادث سير أصابها بإعاقة في بداية حياتها، تحدت بإصرار وعزيمة من حولها ومن وقف في طريق تعليمها، واستغلت وضعها واعتبارها من ذوي الإعاقة لتكون إحدى الناشطات في مجال الإعاقة وتخصص دراستها العليا لمصلحة من ذوي الإعاقة.

بين الدعم والإحباط
إسراء وجدت مراعاة كبيرة من مدرساتها ومدرسيها في مراحلها التعليمية حتى الثانوية العامة، الأمر الذي شجعها على استكمال دراستها رغم إعاقتها وعدم قدرتها على الكتابة بسبب “الرجفة” في يدها اليمنى، ولكنها صدمت أثناء دراستها في مرحلتها الجامعية بسبب “عدم وجود اهتمام كافي بحالتي وعدم قدرة الجامعة على توفير كاتبة تساعدها في كتابتها”.

ما عانته في مرحلتها الجامعية جعل المحيطين بها وخاصة والدها رفض استكمالها لدراسة الماجستير بسبب خوفه الشديد وحرصه على ابنته وعدم قدرته على تعريضها لمعاناة جديدة، ولكن ما استمرار إلحاحها وإصرارها لم يجد الوالد أمامه سوى دعمها والوقوف على جانبها في اختيارها.

وتقول “عندما دخلت امتحانات القبول لدراسة الماجستير بالجامعة الإسلامية، كنت خائفة، وخاصة عندما علمت أن أحد الشروط السابقة في نظام الجامعة أن يكون الطالب أو الطالبة معافي وسليم وليس من ذوي الإعاقة”، استمرت في مشوارها وحاولت التغلب على خوفها فنجحت في امتحان القبول والمقابلة وتم قبولها.

بدأت الدراسة ووجدت بعض القبول لها وتم توفير كاتبة تكتب نيابة عنها، ولكن أكثر ما كان يقلقها هو عدم قدرتها الحصول على عمل يمكنها من تحقيق ذاتها أثناء الدراسة، “تقدمت لوظائف عديدة، ووصلت إلى مراحل المقابلة ولكن عند اكتشاف إعاقتي كانوا يرفضونني بسببها”، استمرت في تحدياتها لمجتمعها الذي يرفض تقبلها أو تقبل ذويها، حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة من دراستها.

بعد طول انتظار
وبعد طول انتظار وجد واجتهاد، انجزت الباحثة “إسراء” إحدى طموحاتها بمناقشة رسالة الماجستير في مجال “اقتصاديات التنمية” من خلال تركيزها على فئة ذوي الإعاقة، وبسعادة غامرة وبعد بلوغها مرحلة المناقشة، قالت “وأخيراً استطعت إنجاز وإيصال رسالتي بعد مثابرة استمرت أربع سنوات، الحمد لله”.

وحملت الرسالة عنوان “دور المشاريع الصغيرة في تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي لذوي الاعاقة في فلسطين -دراسة حالة على قطاع غزة)، وتمحور هدفها الأساسي حول معرفة مدى مساهمة المشاريع الصغيرة في تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي باستخدام مؤشرات التمكين العالمية الخمسة ولأول مرة في الدراسات التخصصية في هذا المجال.

وقسمت الدراسة إلى قسمين، التمكين الاجتماعي “حرية اتخاذ القرار فيما يتعلق بدخل ذوي الاعاقة، وزيادة قدرة الفئة المستهدفة في مجتمعهم من بناء قدراتهم”، وأيضاً التمكين الاقتصادي ومؤشراته “الحد من البطالة بين أفراد الفئة المستهدفة، مشاركة الفئة المستهدفة في الأنشطة الاقتصادية، القدرة على الوصول إلى المؤسسات المالية والاقتصادية كالمصارف ووحدات الإقراض وغيرها”.

وبعد مناقشة رسالتها من قبل لجنة مختصة في الجامعة، أكدت اللجنة على أهمية الدراسة باعتبارها استهدفت احدى أهم الفئات “المهمشة” في قطاع غزة، والتي ينبغي أن تلقى اهتماماً على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي من الجهات المعنية، مشيدة بدور الباحثة في تحقيق هدف الدراسة الرئيسي والخروج بتوصيات ونتائج ذات أهمية.

لحظة الانجاز
وبابتسامة خجولة ودمعة فرح، عبرت إسراء عن سعادتها، بعد تأكيد لجنة الاشراف التزامها في معايير البحث العلمي، وثنائهم على دورها كطالبة خلال دراستها الأكاديمية، خاصة أنها من ذوي الاعاقة وخدمتها بشكل تطوعي في مجال الإعاقة، متمنين لها مزيداً من التقدم والنجاح في حياتها العملية والعلمية.

وحول أهم النتائج التي توصلت لها الباحثة في دراستها، قالت “المشاريع الصغيرة لا تسهم في تحسين قدرة ذوي الإعاقة من الوصول إلى المؤسسات المالية والاقتصادية، إلا أنها تسهم في تحسين مستوى مشاركة ذوي الإعاقة في أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية، كما وتسهم في الحد من البطالة بين أفراد ذوي الإعاقة”.

ونوهت إسراء إلى أهمية التوصيات التي وردت في بحثها، “يجب تطوير ونشر ثقافة المسؤولية المجتمعية التي يجب العمل بها من قبل المؤسسات والمصارف المصرفية مع ضرورة تبني سياسات واستراتيجيات لتأسيس وتطوير المشاريع الصغيرة الخاصة بذوي الإعاقة، وعلى المؤسسات المتبنية لذوي الإعاقة التوجه من رؤية التأهيل لشخص ذوي الإعاقة إلى رؤية تمكينه وتعزيزه من أجل المشاركة في عملية التنمية الفلسطينية”.

وتابعت “ضرورة زيادة وتطوير مراكز التدريب المهني المختصة بذوي الإعاقة مع اتباع سياسة إعلامية جيدة تنطلق نحو المجتمع لتحسين وجهة نظر المجتمع السلبية اتجاههم، والعمل على اتباع برامج أو مبادرات ريادية لتحسين قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على إدارة مشاريعهم سواء من قبل المصارف والمؤسسات المصرفية أم من قبل المؤسسات المتبنية لقضياهم أو مراكز التدريب الخاصة بهم، ولا بدَ من رسم رؤية واستراتيجية وسياسة واضحة من قبل الجهات المختصة بدعم المشاريع الصغيرة لذوي الإعاقة سواء الدولية كمؤسسات ممولة أم المؤسسات المحلية كمؤسسات منفذة”.

طموح مستمر
أنجزت رسالتها ووصلت لمراحل متقدمة في تعليمها ولكن طموحاتها لم تتوقف بل إنها تطمح الآن إلى تأسيس مركز مختص لذوي الاعاقة في المجال المهني والحرفي، “للأسف حتى الآن لم أحصل على الاهتمام والتمويل المطلوب لتنفيذ حلمي وطموحاتي، ولكن مستمرة بالبحث لتحقيق فكرتي”.

كما وتتمنى أن يتم قبولها “معيدة” أكاديمية في إحدى الجامعات الفلسطينية، لنقل خبراتها وتعليمها التي حصلت عليه للأجيال الصاعدة، وقالت “أتمنى أن أجد اهتمام كافي من قبل المؤسسات الحكومية والأهلية، فيما يخص موضوع التوظيف لجميع ذوي الإعاقة تطبيقاً لقانون المعاق الفلسطيني رقم 4 لعام 1999”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *