هلا حمدان.. تدريب “الوصول للجميع” شعلة أمل في عتمة الحرب

في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تعيش الشابة هلا نعيم حمدان، طالبة جامعية في تخصص اللغة الإنجليزية وآدابها، والتي تبلغ من العمر 21 عامًا. رغم التحديات التي واجهتها منذ طفولتها، ومنها فقدان والدها في سن مبكرة، استطاعت هلا أن تمضي في طريقها بثبات بدعم والدتها التي كانت مصدر القوة والقدوة في حياتها، والتي تصفها بأنّها “امرأة من نور وضعها الله في طريقي“.

مع بداية رحلتها الجامعية، حققت هلا تقدمًا ملموسًا على الصعيدين الأكاديمي والاجتماعي، وكانت محط تقدير زملائها وأساتذتها. لكن هذا المسار تأثر بشكل كبير بعد اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، مثلها مثل غيرها من جيل الشباب الغزّي، والتي ألقت بظلالها الثقيلة على كافة مناحي الحياة، بما في ذلك تدمير الجامعة، وفقدان الشعور بالأمان، وانهيار الروتين اليومي الذي كانت تعتز به.

في خضم هذا الواقع القاسي، وجدت هلا فرصة جديدة للمشاركة في تدريب نوعي مع المنتدى الاجتماعي التنموي، في إطار مشروع “الوصول للجميع: تعزيز استقلالية وإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة”، الذي يتم بالشراكة مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP)، والذي يهدف إلى بناء قدرات متطوعي شبكة “الوصول للجميع”، من خلال رفع وعيهم بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز مهاراتهم في المناصرة والتواصل الفعال.

تقدمت هلا بطلب المشاركة، وبقلب مليء بالشغف… خاضت الفرصة الجديد، وقُبلت فيها. لم تعرف أن هذه التجربة التي استمرت لستة أيام فقط، ستُحدث هذا التحوّل الكبير في وعيها وشخصيتها. منذ اليوم الأول، وجدت نفسها وسط بيئة محفّزة من المتدربين والمدربين المتخصصين في قضايا الإعاقة وحقوق الإنسان. اكتشفت من خلال الجلسات والنقاشات الجادة، جوانب لم تكن على دراية بها من قبل حول التحديات الحقيقية التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة، ليس فقط من حيث البنية التحتية أو السياسات، بل حتى في أبسط تفاصيل التفاعل اليومي معهم.

اقرأ/ي: “الوصول للجميع”.. المنتدى الاجتماعي التنموي يُنجز تدريبًا نوعيًا لبناء قدرات الشباب من ذوي الإعاقة وغيرهم في قطاع غزة

تعلمت هلا خلال التدريب مفاهيم جديدة، من بينها البروتوكولات والآليات الخاصة بالإدماج، وكذلك مهارات توثيق المعلومات بشكل مهني ودقيق، الأمر الذي عزّز من ثقتها بنفسها. لكن أكثر ما ترك الأثر العميق في نفسها، كان اللقاء المباشر مع عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تبادلوا القصص والتجارب، وتعلمت منهم الطرق التي يفضلون أن يُتعامل معهم بها، لا بشفقة، بل بوعي وإنصاف.

من خلالهم، تعلمت أن المناصرة لا تعني الحديث نيابة عنهم، بل تعني أن نُفسح لهم المساحة ليُسمع صوتهم بوضوح، وأن نكون سندًا لتغيير السياسات بما يخدمهم لا بما يرضينا.

هلا حمدان

مفهوم “المناصرة” كان جديدًا عليها، لكنه سرعان ما أصبح جزءًا من إيمانها بأن التغيير يبدأ من صوت واعٍ، ومعرفة حقيقية، وإرادة لا تلين. لم تكن هذه المهارات نظرية بالنسبة لهلا، بل كانت طوق نجاة أعاد لها الأمل وسط رماد الحرب، ومنحها دافعًا لتنهض من جديد، وتعيد رسم طريقها نحو التمكين والمشاركة.

تقول هلا عن المُناصرة “هذا المفهوم علّمني كيف يمكننا كمجتمع أن نحاول تغيير القرارات والسياسات نحو الأفضل من خلال صوت جماعي واعٍ ومبادر. أصبحت أؤمن بأن التغيير ممكن عندما نمتلك المعرفة والإرادة”، وتُضيف في حديثها عن التدريب “أتطلع إلى الاستمرار في دعم وتمكين ذوي الإعاقة والمساهمة في بناء مجتمع أكثر عدلاً واحتواءً”. تتحدّث الشابة الجامعيّة اليوم عن تجربة التدريب، وتقول كلماتٍ مميّزة، وبكل امتنان: “ربما كانت مجرد فرصة تدريبية، لكنها بالنسبة لي كانت بابًا للعودة إلى الحياة“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *