كيف تبني إستراتيجية مُناصرة رقميّة فعّالة

تُعرّف المُناصرة بأنّها جُهد مُنظّم لتغيير القوانين، السياسات، القرارات، والممارسات من أجل تحسين حياة الناس. وتُعدّ حملات المُناصرة من أقوى أدوات التغيير الإستراتيجي في المجتمعات. وإذا أردنا الحديث عن المناصرة الرقمية فالمقصود بها: استخدام الأدوات الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي من أجل إحداث هذا التغيير أو حل مُشكلة ما من خلال لفت انتباه المجتمع، و/ أو توجيه صانعي القرارات إلى البحث لإيجاد الحلول لها، من مُنطلق شمولي وحقوقي.

لكن.. ما أهمّية المُناصرة؟

تبرز أهمية المناصرة بالإيمان بالتغيير من كونها تنطلق بناءً على احتياجات ومصالح مُجتمعيّة مُشتركة، ومن خلال حملات المُناصرة يتمّ التأثير على عملية صناعة القرار في كافّة المُستويات باتجاه اتّخاذ تدابير وحلول، كما أنّها تُتيح المساحة لأفراد المُجتمع لتقديم مُقترحات لهذه الحلول، وبالتالي إشراك أصحاب العلاقة بما يرفع من مُعدّل واقعيّة وفعالية هذه الحلول.

العلاقة بين المٌناصرة والتواجد الرقمي

مع تطوّر العالم من حولنا، وسِباق الرقمنة الذي نَشهده في كلّ المجالات، أصبح من المهم رقمنة خطط المناصرة الخاصة بالمؤسسات العاملة في القِطاع المُجتمعي، بما تشمله من أنشطة وتدخّلات، وبالتالي تطوير إستراتيجات وخطط مُناصرة رقمية، بمعنى اعتماد أساليب وأدوات رقمية لضمان وصول أكبر وفعّال للجمهور المُستهدف وقياس أدقّ لاحتياجاته وانطباعته، ولنشر رسائل المُناصرة على نطاق أوسع والتحشيد لها والتفاعل معها، وبالتالي تحقيق أهدافَها بالشكل المطلوب؛ خدمةً لرسائل ورؤية المؤسسة.

إنّ عمليّة بناء استراتيجية مناصرة رقمية يتعدّى تأسيس موقع ويب أو حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، فهي عبارة عن مجموعة من الخطوات والتكتيكات، التي يتم استثمار الأدوات والقنوات الرقمية فيها، من أجل تحقيق أهداف حملة المناصرة.

أهمّية بناء استراتيجية مُناصرة رقميّة ناجحة

مهما كان حجم ومجال عمل مؤسستك، محدودًا أو واسع النطاق، لا بدّ أن تبدأ باعتماد استراتيجيات مناصرة رقمية، لا تقلق.. يُمكنك أن تنطلق في البداية بخطط متواضعة أو قصيرة المدى وقنوات محدودة، أو أن تبني خطة مناصرة استراتيجية لموضوع واحد، ومن ثمّ تستفيد من التجربة وتنطلق لاحقًا بشكل أوسع لبناء استراتيجية مناصرة شاملة، المُهم أن تبدأ!

لنتعرّف الآن على عناصر وخُطوات بناء استراتيجية المناصرة الرقمية، والتي تشمل التالي:

  • تحديد الأهداف الاستراتيجية لخطة المناصرة.
  • تحديد الأهداف من التواجد الرقمي.
  • تحديد القضايا الرئيسية التي تُريد العمل عليها.
  • تحديد الجُمهور/ الفئة المستهدفة.
  • اختيار القنوات الرقمية.
  • توجّهات المُحتوى.
  • أشكال وتدفّق المحتوى.
  • تحديد التقنيّات والأدوات.
  • مؤشرات الأداء.
  • التهديدات.

أولًا: تحديد الأهداف الاستراتيجية لخطتك في حملة المناصرة: وهي الخُطوة الأولى في بناء استراتيجيتك للمناصرة الرقمية: قُم بإنشاء أهداف ملموسة، ذكيّة، ومبنيّة على احتياج حقيقي مسبوق بدراسة جيّدة لجُمهورك المُستهدف ومُعطيات الواقع والقوانين السارية، ومن المهم جدًا أن تكون هذه الأهداف قابلة للقياس. على سبيل المثال إذا كانت قضيّتك تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: قد تختار ضمن أهدافك الاستراتيجية في هذا السياق: رفع الوعي المُجتمعي حول حقوق الأشخاص الأشخاص ذوي الإعاقة واحتياجاتهم.

ثانيًا: تحديد الأهداف من التواجد الرقمي: لماذا تتواجد مُؤسستك على شبكات التواصل الاجتماعي (على سبيل المثال)، ما هي الأهداف التي تسعى لتحقيقها؟ قد تكون إجابتك: تعزيز رؤية وهويّة مؤسستك على هذه المنصات- أو الوصول لأكبر عدد ممكن من الجمهور المُستهدف وبالتالي نشر رسائل المناصرة على نطاق أوسع!

وكي نُحدد هذه الأهداف بدقّة، وسهولة، لنتعرّف سريعًا على أهمية التواجد الرقمي الفعّال للمؤسسة، وما يُتيحه لها من ميزات:

  • وصول أكبر وأكثر فاعلية للجمهور المُستهدف.
  • الاستفادة من أدوات وتطبيقات رقمية لزيادة الإنتاجية ورفع جودة العمل.
  • الاستثمار الأمثل للموارد، وتقليل التكاليف التشغيلية.
  • توافر التغذية الراجعة من الجمهور، بما يُساعد في تحديد الاحتياجات والاهتمامات.
  • المراقبة والمتابعة والتقييم والتعلّم، من خلال الأدوات الرقمية.
  • تكوين شبكة علاقات قويّة وفعالة، من خلال التواصل الرقمي.
  • فرصة للابتكار والمنافسة، وترويج الأفكار عبر المنصات والقنوات الرقمية.

ثالثًا: تحديد القضايا الرئيسية: ما هي القضية أو مجموعة القضايا التي تعمل عليها في خطة المناصرة؟ وطالما نتحدّت عن مُناصرة حقوقية، فغالبًا ما تكون القضية عبارة عن “حق” تسعى للتوعية به والتأثير على صانعي القرار لاتخاذ تدابير من أجل إعماله، مثلًا: من الممكن أن تكون قضيّتك “حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل”. بالإضافة إلى توضيح المُرتكزات الأساسية التي تُريد العمل عليها في هذه القضية، وقد يكون منها على سبيل المثال “مواءمة مرافق العمل لضمان وصول الأشخاص ذوي الإعاقة لها بشكل آمن.”

رابعًا: تحديد الجمهور/ الفئة المُستهدفة: وهو أمر مهم جدًا، ودقيق، عليكَ أن تُحدد وتُعرف بدقّة ووُضوح؛ من هو الجمهور المُستهدف بأنشطة خطة المناصرة، وما هي تصنيفاته وخصائصه، ارتباطًا بالأهداف والقضايا الرئيسية التي حدّدتها في المراحل السابقة. بمعنى؛ من الذي ترغب في إيصال رسائلك إليهم، أو إشراكهم في أنشطة المناصرة. وقد تكون لديك أكثر من فئة مُستهدفة. بناءً على المثال السابق، قد تكون الفئة المُستهدفة ضمن خطّتك: الأشخاص ذوي الإعاقة، صانعي القرار، المؤسسات العاملة في قطاع الإعاقة.. وغيرهم من الجهات ذات الصلة والتأثير في قضيّتك.

خامسًا: القنوات الرقمية: أين ستتواجد؟ وما هي المهمة الرئيسية لكل قناة سيتم استخدامها. وهُنا عليكَ أن تُراعي أن لكل منصّة وقناة رقمية خصائص ومميّزات تختلف عن غيرها، واختيار منصة مُعينة سيكون مرتبطًا بمعرفتك الجيّدة لما تُتيحه لكَ من مميزات، كما يجب أن يكون الاختيار مرتبطًا بهدف المناصرة والفئة المُستهدفة.

على سبيل المثال: إذا كان هدفك رفع الوعي المُجتمعي، وجمهورك المُستهدف هو المجتمع بكل مُكوّناته، فإن المنصّة الأمثل التي عليك العمل من خلالها هي “فيسبوك”، الذي يُتيح لك الوصول إلى عدد كبير جدًا من الجمهور، وفئات عمريّة واجتماعية وثقافية متنوّعة، ففي فلسطين على وجه الخصوص، تجاوزت نسبة مُستخدمي هذه المنصة 90% مطلع العام الحالي. ويُمنككَ تتبّع مدى انتشار وفاعليّة المنصات التواصل الاجتماعي، من خلال التقارير الدوريّة، التي تُصدرها شركة آيبوك (ipoke) المتخصصة في مجال الإعلام الرقمي.

سادسًا: توجيهات المُحتوى: الخطوة التالية في بناء إستراتيجية مُناصرة رقميّة لقضيّتك هي اختيار توجيهات المُحتوى، وهي المُحدّدات التي سيتم على أساسها تصميم وتطوير المُحتوى الخاص بخطّة الحملة. بمعنى آخر “ما هو هدف المُحتوى الذي سيتم تصميمه ونشره؟”. وبالتأكيد يتم العمل على هذه الجزئية بناءً على ما تم تحديده في كل المراحل السابقة: الأهداف الإستراتيجية، القضية الرئيسية، الجمهور المُستهدف. وفي الغالب ستكون هذه التوجيهات ضمن ما يلي:

  • مُحتوى توعوي: يهدف إلى زيادة وعي الجمهور بقضيّة الحملة، قد يتضمّن وصفًا للمُشكلات الموجودة، والحقوق والقوانين التي تسعى الحملة للتوعية بها وتطبيقها، وقد تعمل على صياغة رسائل لإقناع الجمهور بمناصرة قضيتك.
  • مُحتوى مَطلبي/ ضاغِط: يهدف إلى الضغط على صناع القرار لتفعيل أو تشريع قوانين وتغيير سياسات تخدم قضية الحملة.
  • مُحتوى توثيقي/ ترويجي: يستهدف هذا النوع من المحتوى توثيق جهود المناصرة، أو الترويج لأنشطة خطة الحملة.
  • مُحتوى إنساني: يتناول قضيّة الحملة من مُنطلق إنساني، وبطريقة حيّة قريبة من الجمهور، ويتّسم هذا النوع من المحتوى بفعاليّته وقدرته على التأثير بعُمق، كونه يُلامس إنسانية الأفراد، كما أنّه قادر على إيصال المعنى بقوّة وبساطة، مهما كان مُعقدًا.
  • مُحتوى إحصائي: محتوى يُبرز أهمّ الإحصائيات والبيانات المتعلقة بقضيّة الحملة، ويُضفي عليها المُصداقية.
نموذج لمُحتوى إحصائي لحملة مُناصرة
  • مُحتوى تفاعلي: وهو المُحتوى الذي يخلق تفاعلًا مع الجمهور المُستهدف، ويكسر جمود الأنواع الأخرى من المحتوى، كما يُساهم في نشر أوسع للحملة، وزيادة أعداد المُتابعين على المنصات والقنوات الرقمية، وتفاعلهم مع المحتوى ومع أنشطة الحملة ككلّ.
  • مناسبات وأيام وطنيّة/ دولية: يتم تصميم هذا المحتوى وفقًا لأجندة الأنشطة والمناسبات الوطنية والدولية ذات الصلة بقضيّة الحملة.
  • محتوى الأرشيف: وهو محتوى مأخوذ من أرشيف أنشطة المؤسسة، فيتم نشره أو إعادة نشره، بالتوازي مع الأهداف المُراد تحقيقها.

سابعًا: أشكال وتدفّق المحتوى: تتعدّد أشكال أو قوالب المحتوى، بين نصوص وصور (بأنواعها: صور حيّة، تصاميم جرافيك وغيرها)، وكذلك الفيديوهات بأنواعها: قصص مصورة، انفو فيديو، موشن جرافيك وغيرها. ويرتبط تحديد أشكال المحتوى الذي نريدها بأهداف حملة المناصرة والجمهور المُستهدف. وبشكلٍ عام، يُساعد اعتماد أشكال متنوّعة من المُحتوى في تحقيق وصول أكبر، ولفئات أكثر تنوّعًا من الجمهور، كما أنّه يتوافق مع تحديثات خوارزميات منصات التواصل للوسائط بمختلف أشكالها.

ومن المهم كذلك أن تختار قوالب إبداعية وأن تعمل عليها باحترافية. هذه الأمور مُجتمعةً تزيد وتُعزز التفاعل على المنصات الرقمية لمؤسستك.

أمّا تدفّق المحتوى: فالمقصود به الخطط الزمنيّة الدوريّة لنشر المُحتوى عبر المنصات الرقمية للمؤسسة، والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأهداف الإستراتيجية للمُناصرة وإطارها الزمني. كما يجب أن تتضمّن مؤشرات قياس واضحة، وتراعي التنوّع المنطقي في تقديم المحتوى، حسب الأشكال والقوالب؛ بمعنى: أن تشمل خطة النشر: صور ومُنتجات جرافيك، فيديوهات، استطلاعات رأي، مُحتوى تفاعلي أو ترويجي، وغيرها). وتنقسم عملية التخطيط الدوري، إلى: خطط أسبوعية- شهرية – سنويّة.

ثامنًا: تحديد التقنيّات والأدوات: لابد أن تختار الأدوات والتقنيات الرقمية التي تُساعدك في تطوير الأداء الرقمي لمؤسستك، وإيصال رسائل المناصرة بشكل فعال وقوي، بما يُحقق الأهداف الإستراتيجية، ومن أهم هذه الأدوات:

  • القوائم البريدية
  • العرائض الإلكترونية
  • البث المباشر
  • المناسبات الرقمية
  • الاستطلاعات
  • جلسات التغريد

تاسعًا: مؤشرات الأداء: لأنّ قياس النتائج، هو جزء أساسي من تقييم النجاح، عليك أن تُحدد مجموعة من مؤشرات الأداء، التي تُساعد في قياس مدى تحقّق أهداف الأنشطة وتنفيذها، وفق الإطار الزمني المحدد في الخطة، وبالتالي قياس مدى نجاح وفعالية عملنا في المناصرة، وذلك من أجل كتابة التقارير الخاصة بنهج علمي ودقيق، بنتائج ومُخرجات واضحة ومُفصّلة. فعلي سبيل المثال، لقياس الأداء الرقمي لمؤسستك على منصات التواصل الاجتماعي، عليك اعتماد هذه المُؤشرات، وقد تزيد عليها:

  • مُعدّل النشر: بمعنى عدد المنشورات على شبكات التواصل خلال مدة زمنية محددة.
  • مُعدّل الوصول: وهو مُؤشّر يُعرّفنا على حجم الجمهور، والجمهور المُحتمَل، بناء ً على عدة مؤشرات فرعية.
  • مُعدّل التفاعل: وهو مُرتبط بالوصول، ويعني نسب إعادة التغريد، والمُشارَكات، وإعادة النشر، والإعجاب بالمنشورات.
  • مُعدّل الاستجابة: لقياس مدى سرعة الاستجابة والردّ على أسئلة الجمهور المتابِع، وهذا يعكس مدى نجاح المؤسسة في إدارة صفحاتها على منصات التواصل.

عاشرًا: تحديد المخاطر والتهديدات: وهي المرحلة الأخيرة من مراحل بناء استراتيجية مناصرة رقمية فعّالة، وتتم فيها دراسة وتحديد المخاطر والتهديدات المُتوقّعة، التي يُمكن أن تؤثر على الاستمرار في تنفيذ الخطة أو تجميدها لفترة معينة. وهُنا عليك أن تُحدد كل تهديد بشكل واضح، والأثر الذي يُحتمل أن يترتب عليه، ثمّ تحديد إجراءات للتخفيف من حدّة وأثر هذه المخاطر.

على سبيل المثال، قد يكون الخطر الذي يُهدد خطتك الإستراتيجية هو توقّف التمويل، الذي سيترتّب عليه عدم وجود ميزانية ثابتة، وربما نقص في فريق العمل. وبناءً على هذا التحديد للتهديد المُحتمل، سيتم العمل بشكل استباقي على إيجاد مصادر تمويل مُتنوعة وبديلة، تجنيد فريق تطوّعي لتنفيذ أنشطة الحملة، وذلك في محاولة لتجنّب هذا الخطر وتداعياته.

بهذا نكون قد تعرّفنا على الخطوات الأساسية لبناء استراتيجية مُناصرة رقمية ناجحة وفعّالة، تُحقق الأهداف المطلوبة من جهة، وتُعزز من تواجدك الرقمي من جهة أخرى، والذي كما أشرنا في بداية هذه المقالة يُتيح لك استثمار كل ما هو موجود ومُلائم من المنصات والقنوات الرقمية، والاستفادة مما تُقدّمه من مميّزّات وخدمات؛ لتُظهِر من خلالها عملَ مؤسستك ونطاق اهتمامها وتدخّلاتها للجمهور المستهدف، والوصول الفاعل لهم والأهم من هذا تحقيق التأثير، بناءً على أهدافك الإستراتيجية في خطة المناصرة.

جدير بالذكر أنّ مركز وصلة للمناصرة الرقمية، على استعداد لمُساعدتكم في تطوير استراتيجيات المناصرة الرقمية الخاصة بكم.

  • إذا كان لديكم المزيد من الأسئلة بهذا الخصوص، لا تترددوا في التواصل مع فريق مركز وصلة على رقم  970562525207+ أو من خلال صفحاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماع من خلال النّقر هُنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *