فاطمة تبحث عن الأمل وذكريات مدرستها في تل الهوى

فاطمة، طفلة صغيرة وديعة، ملامحها لا زالت تحتفظُ بجمالها البسيط الخفيف، تُظهر اهتمامًا بشكلها، لا يوحي إلّا بمحاولةٍ لاستمرار عيش الحياة بنمطها الطبيعي، إلى جانب عودتها إلى مقاعد الدراسة، ليست في مدرستها المعهودة بمبانيها وأماكنها الاعتياديّة، إنما داخل خيمةٍ تعليميّة تلوّنت باللون الأزرق مثل المدرسة تمامًا.

تقعُ الخيمة التي بدأت فاطمة سامي صبّاح، 11 عامًا، في مُخيّم “العودة” في بلدة الزوايدة غربيْ المُحافظة الوسطى لقطاع غزّة. افتتحها هُناك المنتدى الاجتماعي التنموي SDF، ضمن مشروع شبكات شبابيّة من أجل تعزيز التعليم والرفاهية للأطفال واليافعين وفيها بدأ الطُلاب بالانتظام بتعليمهم لأوّل مرةٍ منذُ نحو عام.

هذا اليوم الثالث من أيّام فاطمة، في المساحة التعليميّة، إلى جانب أصدقائها من نفس الصف ومن غيره، فهي في الصف الخامس، وبدأت تأخذُ دروسها في صفٍ مُختلط، بطلابٍ من الصفيْن الرابع والخامس، في محاولةٍ جديدة لإعادة الطلاب إلى صفوفهم وحياتهم الدراسيّة.

“الأجواء جميلة، مختلفة ومميّزة”، تقول فاطمة، التي تتحدّث عن ثلاثة مُعلمين بدأوا معهم منذ اليوم الأوّل، وتُضيف “مس سندس بتعلّمنا إنجليزي، ومس مها رياضيات، والأستاذ كنعان لغة عربية”. تتحدّث فاطمة عنُهم، وتُحاول استعادة بعضًا من ذكرياتٍ سابقة عن حياتها قبلَ الحرب.

فاطمة صبّاح خلال مشاركتها في المساحة التعليمية

اشتقت لمدرستي“، تقول فاطمة ثُم تُتابع: “كان اسمها مدرسة تل الهوى الابتدائية ألف وباء”، وهي إحدى المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا. لكن هذه المدرسة مثل غيرها من مئات المدارس في قطاع غزّة، غابت وأصبحت رُكامًا، فالمنطقة التي تتواجد فيها تحوّلت لواحدة من أخطر المناطق في مدينة غزّة، حيث يُحدُّها موقع “نيتساريم” العسكري الفاصل بين شمال وادي غزّة وبين جنوبه.

الاشتياق للمدرسة ليسَ مجرّد شيءٍ بسيط، إنهُ اشتياقٌ لتفاصيل كثيرة، لروتين الحياة الاعتيادي الذي غابَ عن أيّام أكثر من نصف مليون طالب في القطاع، مرّ أكثر من 365 يومًا من الحرب، دون أن يكون فيها يومًا واحدًا اعتياديًا، فبدلًا من إنطلاقهم في الصباح نحو حياتهم التعليميّة ومدرستهم، ومرورهم بأصدقائهم وسلامهم الأخير لأمهاتهم من خلف النافذة وهُم يحملون الحقيبة المليئة بالكُتب، باتت أيامهم وبداياتها مليئة بالهرب من الصواريخ، يستقيظون على صوت القذائف بدلًا من المنبهات وصُراخ الأمهات. إنها ليست حياةً عاديّة، وليست نمطًا يستدعي أن يُحبّ.

تُكمل فاطمة في الحديث عن ذكريات مدرستها بالقول إنّها كانت في في الترتيب الثالث على صفّها المدرسي، وهي من أوائل المدرسة بطبيعة الحال، كما كانت في لجنة “النظام”، أيّ أنها من نُخبة الطلبة وأكثرهم التزامًا، لتكونَ ضمن أولئك الذين يسعون لفرض النظام ومُتابعة الآخرين، دليلًا على تفوّقها واحترامها.

تقول فاطمة “اجيت هنا حتى أكمل دراستي وتعليمي، ولأني مشتاقة بشكل كبير للتعليم“، لكنّها تنظرُ حولها، وتتأمل الحياة، تحوّل صفُها التعليمي من جدران مليئة بالزينة والملصقات التعليمية، إلى خيمة من الشادر، تمامًا كما تحوّلت حياتها اليوميّة مع العائلة، من بيتٍ بجدران وتفاصيل، إلى خيمة بيضاء، لا تقي من البرد ولا تحمي من الحرّ.

فاطمة صبّاح خلال مشاركتها في المساحة التعليمية

تنظرُ الطفلة الصغيرة إلى مُستقبلها خارج غزّة، وهي نظرة غير عادية بالنسبة لطفلة في هذا العُمر، لكنها تقول إنها فرصة كي ترى العالم، ولأنها على قناعة أنّ التعليم في الخارج أفضل من الداخل. هذه نظرتها الأولى في السابق، والسؤال يدور: كيف باتت نظرتُها بعد أن انتهى حال التعليم وغابت المدارس؟ بالتأكيد تُصرُّ على ذلك، لكن هذه المرّة، كي تسعى لمساعدة بلدها، من الخارج.

حابة أتعلم وأتطور بشكل كبير، وأكمل مراحلي التعليمية وما أوقف لأي سبب. حابة كتير كمان أتعلم عشان لما أكبر أطلع وأكمل تعليمي برا غزة.. لأن الدراسة في الخارج أحسن وأفضل. بنفس الوقت حابة أطلع برا عشان أتعلم وأقدر أطور من بلدي وأساعدها.

فاطمة سامي صبّاح

في المساحة التعليميّة التي يُتابع فيها مُعلمي المنتدى الاجتماعي التنموي عملهم، يُحاول الفريق جاهدًا وضع الأطفال في جوٍ تعليمي مُختلف، يستعيدُ ذكريات الأيام العادية في الدراسة، ويجعل منهم في نمطٍ تقليدي يُبعدهم عن أجواء الحرب.

كلماتٌ وملصقات وضعها المُعلمون بالتعاون مع الأطفال، باللغة الإنجليزية وغيرها للرياضيات ولأحرف العربية، عدا عن قصيدة كُتبت على السبورة الجديدة عن المُخيم الذي يعيشون فيه، يجعلهُم أقرب بشكلٍ أكبر لأجواء الدراسة.

هذه الخيمة هي واحدة من 12 مساحة تعليمية آمنة أنشأها المنتدى الاجتماعي التنموي بالشراكة مع “يونسيف“، بهدف استعادة الحياة التعليمية للأطفال. تتواجد المساحات في كُل محافظات القطاع، من خانيونس وصولًا إلى دير البلح حتى محافظة غزّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *