من لاعب رياضي إلى صاحب منجرة لتشطيب المطرزات الخشبية

كتب/ سالم الريس

يقف الشباب عمر أبو رحمة داخل حاصله الصغير الذي أنشأه على جزء من حديقة المنزل، وسط معدات وآلات النجارة، يقطع الأخشاب الكبيرة إلى قطع صغيرة حسب مقاسات معينة هو يحتاجها في صنع إطارات البراويز والصناديق الخشبية المضاف إليها قطع قماش تحتوي على تطريز فلاحي.

فور الانتهاء من قص القطع التي يحتاجها، يجلس على طاولة خشبية كبيرة أعدها لتجميع قطعه لإخراج المنتج النهائي بشكل احترافي، من ثم يقوم بعملية الدهان حتى تصبح منتجاته جاهزة للتسويق والبيع لزبائنه.

أبو رحمة، هو شاب في الـ25 من عمره، يقطن في النصيرات وسط قطاع غزة، متزوج ولديه طفلة، كان في بداية حياته لاعب كرة قدم، ولكن بسببها تعرض لحادثة قبل 10 أعوام تقريباً، غيرت الكثير من حياته، فما هي قصته وكيف تحول من لاعب كرة قدم إلى صاحب منجرة؟

عندما كان أبو رحمة في الصف التاسع، وأثناء لعبه لكرة القدم، شعر بوجع في مفصل رجله اليمنى، أدى ذلك الألم إلى التهابات شديدة في المفصل، زار الأطباء وحاول علاج مفصله، لكن لا جدوى. فبعد فترة قليلة تطورت الأمور وحدثت غرغرينا الأمر الذي اضطر الأطباء للقيام بعملية استئصال لرجله من أعلى الركبة، ليصبح يسير على قدمٍ واحدة وعكاكيز.

في بداية الأمر، أصبح انطوائياً معتزلاً بعض الشيء عن محيطه، الألم النفسي وشعور العجز الذي أصبح يفكر به في وقتها ليس سهلاً بحسب ما قال أبو رحمة. وكانت تراوده الأفكار “كيف سألعب كرة القدم؟، كيف سأذهب للمدرسة وأكمل الدراسة؟، كيف سألعب مع أصدقائي وأخرج معهم؟”.

لكن بتشجيع من أسرته، حاول التغلب على بعض المعيقات، وعاد إلى استكمال تعليمه، حتى انتهى من الثانوية العامة، وعاد لممارسة هوايته في لعب كرة القدم ضمن ناديٍ رياضي، مستكملاً دراسته الجامعية في تخصص خدمة اجتماعية.

مرت الأيام والسنين، لكن أبو رحمة أصبح أكثر تحدياً لواقعه خاصة بعدما طور من هواياته الرياضية وشارك في عدة دورات رياضية في الغوص وألعاب القوى، حتى أنه مثل دولته فلسطين في أكثر من مناسبة رياضية في الخارج، ويقول “كل إلي مريت فيه من تجارب بعد الإعاقة زادني قوة وإصرار على تطوير نفسي في كتير من المجالات”.

انتهي من تعليمه الجامعي وأصبح يبحث عن عمل ليكون باب رزق له، ويمكنه من بناء حياته ومستقبله، فحصل على تدريب تشطيب مطرزات خشبية ضمن مشروع يهتم بتطوير مهارات ذوي الإعاقة، ذلك المشروع منحه فرصة لبداية فكرة عمل المنجرة، لكنه لم يوفر له كل احتياجاته.

أيضاً تعلم أبو رحمة فن التطريز قبل نحو عام، وأصبح يمكنه صنع قطع خشبية مطرزة بشكل كامل دون مساعدة أحد. بدأ في العمل بأقل الأدوات وبمكان بسيط، حتى أصبح له زبائن يطلبون احتياجاتهم بشكل دوري، وأصبح يفكر ويبحث عن كيفية شراء معدات جديدة تساعده على تطوير منجرته الصغيرة.

بحث كثيراً حتى شاهد إعلان لتدريبات ومنح لمشاريع صغيرة ضمن مشروع “دعم جهود الأشخاص ذوي الإعاقة للمساهمة في التمكين الاجتماعي والاقتصادي الإيجابي في قطاع غزة”، أثناء تصفحه لحسابه الشخصي على فيسبوك.

وبالفعل، بعدما تقدم أبو رحمة بطلب المشاركة في المشروع، تم اختياره ضمن 100 مستفيد من ذوي الإعاقة، حيث حصل على تدريبات في مجال تنمية المهارات الإدارية والمالية والتسويق الإلكتروني على مدار أسبوعين متتاليين، ومن ثم انتقل للمشاركة في مخيم “خطوة نحو المستقبل”، ليتم اختيار تمويل تطوير منجرته من ضمن 13 مشروعاً صغيراً حصلوا على تمويل ضمن المشروع.

ويقول أبو رحمة “بالفعل حصلت على التمويل وانطلقت في توسعة منجرتي بعض الشيء وشراء أدوات وماكنة جديدة لقص الخشب، وحالياً بفكر في الحصول على دورة صنع الكنب وتفصيل أطقم النوم، حتى أتوسع وأطور مشروعي بعض الشيء”.

وحول أهمية هذا المشروع بالنسبة له، يقول “اليوم أنا بقدر أصرف على حالي وعلى بيتي وأسرتي من هادة الشغل، وبنفس الوقت بشغل وقتي وبطور من عملي ومن مهاراتي وبطمح للتطور بشكل أكبر”.

يذكر أن مشروع “دعم جهود الأشخاص ذوي الإعاقة للمساهمة في التمكين الاجتماعي والاقتصادي الإيجابي في قطاع غزة”، ينفذه المنتدى الاجتماعي التنموي بتمويل من مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية (MEPI).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *