ذوات الإعاقة في غزة ما بين التهميش و غياب تطبيق القانون

غزة/ نورهان المدهون

تواجه النساء من ذوي الإعاقة في قطاع غزة، مجموعة من المشاكل، كما يقع بعضهن ضحية لاستغلال أرباب العمل، بسبب إعاقاتهن المختلفة التي يعانين منها، مستغلين ظروفهن القاهرة وحاجتهن للعمل.

النساء من ذوات الإعاقة، في بعض الأحيان يقبلن بأي عمل وأي أجر حتى لو كان متدني في سبيل إثبات أنفسهن وقدرتهن على الأعمال المختلفة، إلا أنهم ورغم ذلك نادراً ما يصادفن أرباب عمل يعملن على تشجيعهن بدل أن يهدمن طموحهن ومستقبلهن.

سعاد “30 عاماً”، تعاني من فقدانها للبصر في عينها اليسرى بسبب حادث تعرضت له في الخامسة من عمرها، لكن ذلك لم يمنعها من الحصول على شهادة الثانوية العامة، والانطلاق نحو التعليم المهني وإتقان فنون الحياكة، باحثة عن فرصة عمل.

ساعات طوال وأجر متدني
بعد البحث والمحاولات العديدة، وجدت سعاد عملاً خلف ماكينة خياطة تهالكت أطرافها من الصدأ، في مشغل نسوي لفنون الحياكة والتطريز، في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بأجر شهري لا يتجاوز الـ700 شيكل شهرياً.

تعتبر سعاد أن راتبها متدني، ولا يكفيها خاصة وأنها ترعى والدتها المريضة، لكن حاجتها الماسة للمال والصعوبات التي واجهتها أثناء البحث عن عمل، أجبرها على التمسك بعملها الحالي، كما أنها تتعرض لعنف أسري “أخي يقوم بإهانتي وشتمي ونعتي بأسوأ الصفات والألفاظ، ويتسلط على جزء من راتبي عنوة لينفقه على ملذاته” حسب قولها.

جميلة “32 عاماً”، لا تختلف ظروف عملها كثيراً عن سعاد، فهي تعد الأطعمة وأطباق المعجنات والحلويات داخل مؤسسة نسوية في غزة، بأجر شهري لا يتجاوز الـ600 شيكل شهرياً، وساعات عامل تتجاوز الثماني ساعات يومياً.

جميلة التي تعاني من الصم، ساعدتنا زميلتها بالعمل في ترجمة حديثها بلغة الإشارة، حيث عبرت عن استيائها الشديد بسبب تدني أجرها الشهري، ومعاناتها من طول ساعات العمل التي تقضيها أمام لهيب نار الفرن يومياً، مشيرة إلى أنها تتعرض للاستهزاء من قبل زميلاتها لعدم فهمهن لغة الإشارة التي تتعامل بها.

مساومة تصل الاقصاء عن العمل
إن المساومة على الأجر، من أسوء أنواع الاستغلال الذي تعرضت له ورفضته، الشابة “سناء” خريجة قسم المحاسبة والتي تعاني من إعاقة حركية.

حيث عملت سناء “23 عاماً” كمتدربة في قسم المحاسبة بإحدى الشركات لفترة 6 شهور دون أجر، من ثم بدأت بتقاضي راتب 400 شيكل فقط شهرياً، على أن يتم زيادة راتبها فيما بعد، بحسب الاتفاق الذي تم بينها وبين صاحب الشركة.

لكن صاحب الشركة بعد مرور عدة أشهر لم يوافق على زيادتها، وأصر على تخييرها بين استمرارها في العمل بنفس الأجر أو تركها للعمل إن أرادت، وتقول “فضلت ترك العمل بكرامتي، فأنا أرفض استغلالي بهذه الطريقة حتى لو كنت من ذوات الإعاقة، وأتمنى أن أحصل على عمل جديد في مجال تخصصي”.

أما هبة “27 عاماً”، والتي تمتلك يداً صناعية، لم تكن أمامها فرصة ترك العمل وحدها مثل سناء، حيث تم إقصاءها عن العمل من أحد محلات فساتين الأفراح، واستبدالها بفتاة أخرى لا تعاني من إعاقة، دون سابق إنذار.

وعبرت عن استيائها من الطريقة التي تم التعامل بها معها بغصب، وقالت “لم أقصر يوماً في عملي، بل تحملت نظرات الشفقة من الزبائن، وأسئلتهم المتكررة عن يدي الصناعية ولمسهم إياها، وتدخلهم في شؤون حياتي الخاصة، وفي النهاية تم طردي من صاحب العمل”.

شعور بالخيبة
ذات المعاناة تواجهها هديل “24 عاماً” التي أنهكها البحث عن فرصة عمل بمجال تخصصها الجامعي، بعد أن تخرجت بمعدل جيد جداً من كلية التربية.
تقول وقد حطت بجسدها على كرسي بمساعدة عكازها الذي يرافقها كظلها:” لم أترك مؤسسة حكومية أو غير حكومية، إلا وقد طرقت بابها أملاً في الحصول على فرصة عمل، ولكن! دون جدوي، فكل محاولاتي باءت بالفشل”.
عبرت هديل عن غضبها عند استحضارها موقفاً تعرضت له حين تقدمت لوظيفة معلمة في إحدي المدارس الخاصة، حيث تم إخبارها بعدم مطابقتها للمواصفات المطلوبة، فعادت أدراجها تجر أذيال الخيبة .

الآثار النفسية
أوضحت الأخصائية النفسية “آلاء العبويني” المتخصصة في مجال الفئات المهمشة والأشخاص ذوي الإعاقة بجمعية منتدى التواصل، أن النساء بشكل عام يتعرضن لتحديات كبيرة، وخاصة ذوات الإعاقة اللواتي يواجهن شتي أشكال العنف والاستغلال والتهميش.

وأشارت إلى أن حرمان ذوات الإعاقة من حقهن في العمل واستغلالهن اقتصادياً، يعرضهن للاكتئاب واليأس، ويضعف ثقتهن بأنفسهن، ويشعرهن بالفقدان والحرمان، وقد تزيد مخاوفهن المستقبلية، مؤكدة على أن انخراطهن في العمل يصقل شخصيتهم، ويجعلهن أكثر قدرة على الاعتماد النفسي والاقتصادي.

وقد رفضت العبويني النظرة السلبية التي تعاني منها ذوات الإعاقة من قبل المجتمع، مشددة على ضرورة توفير خدمات تدريبية وتوعوية لذوات الإعاقة لتحسين مستواهن الاجتماعي والنفسي والثقافي، وبث شعور الثقة بداخلهن.

ومن جانبها، أكدت الناشطة في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة “سوزان العمصي”، والتي تعاني من إعاقة حركية، على أن الآثار النفسية لها دور كبير في هدم أو استمرار عطاء ذوات الإعاقة في أعمالهن التي يستطعن العمل بها

ورأت بأنه من الضروري موائمة بيئة العمل لمختلف أنواع الإعاقات، والعمل على وجود سياسات واضحة داخل المؤسسات لعملية تشغيل ذوات الإعاقة، بالإضافة لتقديم الثقة في قدرتهن على العمل، الأمر الذي يزيد من كفاءتهن.

وطالبت العمصي بضرورة تعزيز الوعي لدي المؤسسات وأصحاب العمل لتشغيل ودمج ذوي الإعاقة، مشددة على أهمية توحيد جهود كافة المؤسسات من جهة، وجهود الأشخاص ذوي الإعاقة من جهة أخري، للمطالبة بالحقوق التي كفلها القانون.

العمل حق كفله القانون
الباحث الحقوقي في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان “بهجت الحلو”، أوضح أن القانون الفلسطيني يلزم المؤسسات الحكومية والمنشآت العمالية الخاصة بتشغيل 5% من ذوي الإعاقة من أصل عدد العاملين بالمؤسسة، منوهاً إلى عدم وجود تمييز على أساس الجنس في القوانين.

وعدد أبرز التشريعات الفلسطينية التي تتناول حق ذوي الإعاقة في العمل، وهي “القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، وقانون حقوق المعوقين رقم 4 لسنة 1999، وقانون العمل الفلسطيني رقم (4) لسنة 2000، وقانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998”.

وأكد الباحث الحقوقي على ضرورة تعديل القوانين الوطنية، بما يتوافق مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدولية، التي انضمت لها دولة فلسطين عام 2014، لافتاً أن الانضمام يحتم على الدولة المنضمة تعديل النصوص والسياسات والإجراءات الحكومية.

ورأى الحلو، أن عدم إلزامية القوانين المحلية لأصحاب المؤسسات والمنشآت بتشغيل ذوي الإعاقة حسب النسبة التي حددها القانون كحد أدنى، هو من أهم عيوب قوانين الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى غياب آليات الرقابة والمحاسبة، والتذرع بالأوضاع الاقتصادية وقلة فرص العمل من قبل أرباب العمل.

هذا التقرير ضمن مبادرة “العمل حق وليس منة” تنفيذ المنتدى الاجتماعي التنموي ضمن مشروع “تعزيز المشاركة المدنية و الحوار الوطني من خلال الاعلام الفلسطيني المستقل” المنفذ من قبل الانترنيوز و الممول من قبل مبادرة الشراكة الامريكية الشرق أوسطية (ميبي).

إن محتوى هذا التقرير يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعكس وجهة نظر منفذ أو ممول المشروع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *