نور الأطرش.. حين تتحوّل التحديات إلى رسالة

في دير البلح وسط قطاع غزّة، تعيش الشابة نور الأطرش، 23 عامًا، التي لم تكن التحديات يومًا حاجزًا أمامها، بل دافعًا للاستمرار، وللتمسك بأمل أن تكون فاعلة في مجتمع يحتاج إلى كل صوت قادر على إحداث الفرق، خصوصًا مع ظروف الحرب وانتكاسة الواقع الذي يعيشهُ الناس في قطاع غزّة.
من الحياة إلى النزوح
نزحت نور مع عائلتها من شرق المدينة إلى وسطها، ورغم ظروف النزوح والحرب التي بدأت في أكتوبر 2023، وأوقفت كل شيء، لم تستسلم نور. كانت في تلك الفترة، على وشك التخرج من تخصص التحاليل الطبية في جامعة الأقصى.
لم تعُد قادرةً على تقديم الامتحانات بسبب انقطاع الإنترنت والكهرباء، وصعوبة الوصول للمواد الدراسية. ومع الوقت، بدأت تحاول استعادة زمام الأمور، متنقلة بين منازل أقارب وكافيهات للحصول على اتصال بالإنترنت، وتابعت دراستها من خلال شاشة الهاتف في أوقات محددة حسب توفر الشحن. رغم الصداع والإرهاق والتحديات التقنية… تخرجت نور.
البحث عن مساحة آمنة
كانت نور دائمًا تبحث عن مساحة آمنة تستطيع من خلالها أن تطور نفسها، وأن تعبر عن قضايا العدالة الاجتماعية والحقوق، لا كمُتلقية للدعم، بل كمبادِرة وفاعلة ومناصرة للتغيير.
هذه المساحة وجدتها مؤخرًا من خلال مشاركتها في تدريب نفذه المنتدى الاجتماعي التنموي بالشراكة مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP)، ضمن مشروع “الوصول للجميع: تعزيز استقلالية وإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة“، وهو تدريب متخصص يُعنى ببناء قدرات متطوعي شبكة الوصول للجميع، التي تهدف إلى دعم دمج ذوي الإعاقة في المجتمع بشكل فعال ومستدام.
اقرأ/ي: هلا حمدان.. تدريب “الوصول للجميع” شعلة أمل في عتمة الحرب
منذ اليوم الأول للتدريب، شعرت نور أن هذه التجربة مختلفة. لم يكن الحضور مجرد استماع، بل مشاركة فعلية وتفاعل حقيقي، حيث تم التأكيد على مفاهيم العمل الإنساني، والمساواة، والاحترام، والاستقلالية، وهي مفاهيم عادةً ما يتم تجاهلها عند الحديث عن قضايا الإعاقة من منظور حقوقي.
كانت فترة التدريب مميزة ورائعة. اكتسبت من خلاله معرفة واسعة حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وأساليب دعمهم بشكل فعال، وعزز من وعيي بأهمية احترامهم وتوفير بيئة عادلة للجميع .التنوع في الفريق كان جميل جدًا. كل شخص كان مختلف، وهاد الاختلاف خلانا نتعلم من بعض أكتر. النقاشات كانت ثرية، وتبادل الخبرات عزز من فهمي لواقع ذوي الإعاقة.
نور الأطرش
مفاهيم جديدة
أثّرت فيها كثيرًا الأنشطة التفاعلية والجماعية، التي ساعدت على كسر الحواجز وخلق بيئة آمنة للنقاش والتعلم، خاصة مع وجود مدربين ودكاترة متخصصين نقلوا خلاصة علمهم للمشاركين.
في اليوم الثاني، ناقشت نور وزملاؤها إدارة المخاطر في الأزمات، لكن هذه المرة من زاوية مختلفة: من زاوية من يدركون معنى أن تكون الإعاقة حاضرة في ظل الأزمات. استعرضوا قصصًا واقعية، وحللوا التحديات، وخرجوا بتوصيات عملية. هنا، شعرت نور أن صوتها له دور، وأن انحيازها لهذه القضايا يصنع فارقًا.
توالت الأيام، وتعمّق الفهم.. تعلمت نور عن مقاييس الإدماج في خدمات الطوارئ، كالمأوى والحماية والرعاية الصحية والأمن الغذائي، وتعرّفت على أدوات جمع البيانات، وكيفية إجراء مجموعات مركزة. في اليوم الرابع، خاضت تجربة عملية في تصميم استبيانات، واستخدام أدوات رقمية مثل “Google Forms” و”Excel”، بل وتعلمت كيفية اختيار عينة عشوائية وتحليل البيانات، مستخدمة معادلة ريتشارد.
تعرّفت الشابة مع زملائها المُتدربين لاحقًا على مفهوم المناصرة، وتدرّبت مع فريقها على تحليل قضية واقعية، وصياغة رسائل ضغط، ورسم خطوات حملة مناصرة تدافع عن حقوق ذوي الإعاقة. وهنا، لم تكن نور فقط متلقية للتدريب، بل كانت صوتًا قياديًا يعكس التزامًا عميقًا بقضية عادلة.
كما تطرّقَ التدريب إلى مفاهيم حملات الضغط والمساءلة المجتمعية، ومهارات تحديد أصحاب الحقوق ومقدّمي المسؤوليات، بالإضافة إلى مهارات تحليل الواقع الإنساني، وتصميم المبادرات المجتمعية التي تستجيب لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في سياق الطوارئ والحرب، وهي جزء مهم مما ستقوم به شبكة “الوصول للجميع”، التي تأهّلت نور وغيرها من الشباب ليكونوا نواتها الأولى.
تعتقد نور، مثلها مثل كُل المتدربي، أنّ شبكة “الوصول للجميع” ليست مجرّد اسم، بل فرصة لإثبات أن التغيير ممكن، وأن قضايا الإعاقة ليست قضايا فئة معزولة، بل مسؤولية مجتمعية تتطلب تضامن الجميع. اليوم، ترى نور أن هذا التدريب لم يزودها بالمعرفة فقط، بل منحها الإيمان بأن دعم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ليس مجاملة، بل التزام إنساني وأخلاقي. ومن خلاله، باتت أكثر استعدادًا للوقوف إلى جانبهم، والدفاع عن بيئة عادلة تضمن الفرص للجميع دون تمييز.