إليانا يونس من تدريب SDF Youth Hub: كيف نبني جسرًا بين الواقع والحُلم؟

في أحد أحياء مدينة غزة،ما زال هناك بيت صامد، بيتٌ يحمل في جدرانه ذكريات الطفولة، وتفاصيل أيامٍ لم تعُد كما كانت. في هذا البيت، عادت إليانا يونس، ذات الـ21 عامًا، لتعيش فيه اليوم بعد رحلة نزوح طويلة وقاسية، لم تكن مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل عودة إلى الروح، ومحاولة أخرى.

تدرس إليانا إدارة الأعمال باللغة الإنجليزية في الجامعة الإسلامية، وكانت ما تزال طالبة سنة أولى عندما بدأت الحرب. أُجبرت على ترك بيتها في 13 أكتوبر 2023، حيث بدأت رحلة نزوحها الأولى من ثلاثة نزوحات. 

الرحيل ما كان مجرد خطوة.. كان اقتلاع من كل شي بعرفه. سكّرت باب بيتي برجفة قلب، وكأني راجعة كمان شوي، بس ما رجعت.

إليانا يونس

قضت إليانا ستة شهور في عزلة شبه تامة، حتى باب البيت كانت تخاف من فتحه.. الخوف، الصدمة، الصمت، كُلها لم تكن مشاعر فقط، بل أصبحت جزءًا من تكوينها، ترافقها في كل خطوة، وتغيّر ملامحها تدريجيًا. ومع كل نزوح، كانت تترك خلفها قطعة من ذاتها، لكنها رغم ذلك، لم تفقد كلّ شيء، ففي قلبها، بقي هناك مكان صغير للأمل.

قبل الحرب، لم تكن إليانا منخرطةً كثيرًا في العمل المجتمعي، لكنها كانت شغوفة بتطوير نفسها أكاديميًا. التحقت بدورات في اللغة الإنجليزية والكمبيوتر، وكانت تجربتها المميزة مع فريق TEDx Abu Hasira Street ضمن الفريق اللوجستي، نقطة بداية جعلتها تلمس جمال العمل الجماعي والانتماء لفريق يصنع أثرًا.

اقرأ/ي: شابات “الهاب الشبابي” يختتمن ورش تثقيف الأقران للفتيات في مراكز النزوح

ثم جاءت الحرب، وعلّمتها أن الشغف وحده لا يكفي، بل إن الشباب هم طوق النجاة لأي مجتمع. تقول إليانا: “كنت أشوف شباب بعمر الورد، حاملين بيوتهم وأهاليهم على أكتافهم.. ومن هون، بلّشت إليانا الجديدة تتشكّل”.

انضمت إليانا إلى برنامج SDF Youth Hub في مدينة غزّة، وكانت تلك المشاركة بمثابة نقطة تحوّل عميقة. دخلت مترددة، محمّلة بذكريات عام ونصف من الانقطاع والوجع، لكنها سرعان ما وجدت في التدريب ما لم تكن تتوقعه: مساحة آمنة، وناس يشبهونها، وطاقات لم تتخيّل وجودها.

تقول وتُضيف بتأثّر، وهي تسترجع ذكريات التدريب: “أول يوم تدريب حسّيت إني رجعت لنفسي.. طاقتي صارت تزيد، وبلشت أحلم أكون جزء من فريق العمل”.

هكذا تصف إليانا مشاعرها، بعد أن عاد لها الأمل، ليس فقط في نفسها، بل في جيلها بأكمله.

من أولى ثمار هذه التجربة، كانت مبادرة “يوم صحة المرأة”، التي قادتها إليانا بشغف كبير. لم تكن مجرد تنفيذ نشاط، بل اختبار حقيقي للذات والمهارات التي اكتسبتها. من الفكرة إلى التخطيط والتنفيذ، كانت إليانا وفريقها يعملون بكل حب.

تتذكر الشابة الواعِدة بالقول: “كنت أراجع كل تفصيلة، كأني بحضّر لحلم كبير، حلمي أنا”.

نجحت المبادرة في كسر حاجز الصمت، وفتحت مساحة آمنة للفتيات ليتحدثن بصراحة عن موضوعات حساسة مثل الدورة الشهرية. وكان لتفاعل الفتيات، وجرأة إحداهن – “بتول” – في الحديث أمام الجميع، لحظة انتصار لا تنساها إليانا:

“عيوني لمعت، قلبي هدأ لأول مرة، وحسّيت إني بقدر أنام وقلبي مليان رضا.”

اليوم، تتحدث إليانا عن مشاركتها في المجتمع كرسالة: أن تكون صوتًا يصِل، لا مجرد صدى. أن تزرع الوعي، وتبني جسورًا بين الواقع والحلم.. أن تصبح، كما تقول، إنسانة لها أثر، لها حكاية “بتتشاف، مش بس تنحكى”.

وتختم رسالتها بشيء يشبه الحلم، لكنه أقرب للحقيقة: “حتى لو حسّيتوا إن المكان مش إلكم، لا تفقدوا الإيمان.. في ناس لسّة بتآمن فينا، وبتحبنا لشغفنا وأحلامنا، وبتحكيلنا: إنت مش لحالك”.

One comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *