إسلام البربري.. من رماد الحرب إلى التغيير في “يلا تشينج 6”

في مدينةٍ أثقلتها الحروب وأرهقها الدمار، يولد الأمل أحيانًا من أكثر اللحظات قسوة. هكذا بدأت رحلة إسلام البربري، خريج اللغة الإنجليزية والترجمة، الذي وجد في الحرب نقطة تحوّل عميقة في مسار حياته، وقادته إرادته لاحقًا إلى المشاركة في برنامج “يلا تشينج” بموسمه السادس.

وقد أطلق المنتدى الاجتماعي التنموي النسخة الجديدة من البرنامج بمشاركة 60 شابًا وشابة في قطاع غزة والضفة الغربية، خلال شهر سبتمبر 2025، ضمن مساعيه لتعزيز دور الشباب في قيادة التغيير المجتمعي الإيجابي، حيث جاء بتمويل وشراكة مع جمعية المساعدات الشعبية النرويجية NPA.

حين تغيّر كل شيء

يستعيد إسلام بذاكرة مثقلة مشاهد الحرب الأخيرة التي قلبت حياته رأسًا على عقب. لم يكن الدمار مجرد صورة عابرة على شاشة، بل كان واقعًا سكن تفاصيل يومه، أفقده بيته، أحباءه، ومساحات الأمان التي اعتادها. يقول متأملًا تلك اللحظات: “شعرت أنني لم أعد أعيش، بل أنني فقط مجرّد ناجٍ آخر”.

كان إسلام شابًا طموحًا، يسعى دائمًا إلى تطوير ذاته وخوض التجارب الجديد، وبعد صراعٍ طويل مع ذاته، توصّل إلى قناعة غيّرت كل شيء في الحرب: “نحن من صنعنا حياتنا الأولى، وبإمكاننا أن نبدأ من جديد لشيء أفضل مما كنا عليه قبل الحرب”.

وفيما يُفكر الشباب بالسفر، قرر إسلام البقاء في غزة، رافضًا فكرة الرحيل، مؤمنًا بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل لا من الهروب.

النهوض من جديد

بدأ إسلام مسارًا جديدًا في حياته، تخلله الكثير من التعلم والعمل والمثابرة. التحق بعدة دورات تدريبية، بعضها مدفوع وبعضها مجاني، في مجالات متعددة لتوسيع آفاقه المعرفية، وحتى استعاد علاقته بمهنته الأساسية في الترجمة، وبدأ العمل مجددًا عبر الإنترنت.
واجه في البداية صعوبات مادية ونفسية، لكنه تغلب عليها بالإصرار والانفتاح على الفرص. كان يرى في كل تجربة جديدة خطوة صغيرة نحو إعادة بناء ذاته.

ولأن المعرفة بالنسبة له كانت دائمًا البوابة إلى النهوض، تابع عن كثب برامج تنمية الشباب في غزة، ومن متابعته صفحات المنتدى الاجتماعي التنموي، شاهد إعلانًا عن فتح باب التسجيل لبرنامج “يلا تشينج”. لم يتردد لحظة، فملأ نموذج التسجيل وسجّل فيديو قصير عبّر فيه عن حماسه العميق للمشاركة.

يصف إسلام لحظة اختياره بأنها كانت “نافذة أمل” فتحت له من جديد بعد زمنٍ من الرماد.. ومنذ اليوم الأول للتدريب، أدرك أن التجربة ستكون مختلفة عن أي شيء خاضه من قبل.

التدريب.. بداية أخرى

في اليوم الأول، كان اللقاء مع المدرب أحمد مرتجى الذي تناول الجانب النفسي ودور الإنسان في إعادة اكتشاف ذاته بعد الصدمات. أثّر هذا اللقاء في إسلام بعمق، إذ شعر أن الحديث يلامس وجعه الشخصي. يقول: “ذكرنا المدرب أننا لم نُختَر من بين 900 متقدم عبثًا، بل لأن فينا طاقة تغيير حقيقية.. تلك اللحظة جعلتني أصدق أنني لست ناجيًا فقط، بل قادر على أن أكون صانعًا للحياة”.

لم يكن التدريب وهو المرحلة الأولى من البرنامج مجرد جلسات نظرية، بل مساحة إنسانية مليئة بالتفاعل. وجد إسلام نفسه بين مجموعة من الشباب والشابات الذين يشتركون معه في الشغف ذاته، الرغبة في تجاوز الألم وصناعة الفرق. 

أمّا عن زملائه والمشاركة بينهم في أيام التدريب، فيقول إسلام: “كنت أشعر أننا نخبة صغيرة خرجت من بين الركام، يجمعنا هدف واحد هو أن نصنع التغيير ونمنح معنى جديدًا للحياة في غزة”.

على مدار ستة أيام من التدريب، اندمجَ في مفاهيم التغيير الاجتماعي، وبناء المبادرات الشبابية، والعمل الإنساني، مستفيدًا من تجارب المدربين الذين لم يكتفوا بتقديم المعرفة، بل قدّموا نموذجًا حيًّا في التحفيز والتشجيع.

تعلمت منهم أن التغيير لا يأتي فقط من الأفكار، بل من الإيمان بأننا نحن التغيير ذاته”، يضيف إسلام بابتسامة واثقة.

من الألم إلى العمل الإنساني

خلال تدريب “يلا تشينج”، بدأ إسلام يرى تجربته الشخصية من زاوية جديدة.. لم تعد الحرب مجرد مأساة شخصية، بل تجربة إنسانية يمكن أن تكون مصدر تعاطف وفهم أعمق لمعاناة الآخرين.

يقول الشاب الغزّي: “البرنامج منحني أدوات لفهم العمل الإنساني بطريقة مهنية، وكيفية تصميم مبادرات تُحدث أثرًا حقيقيًا في حياة الناس”. حيث كان أكثر ما أدهشه هو المساحة التي أتاحها البرنامج للنقاش المفتوح وتبادل الخبرات بين المشاركين، ما خلق بيئة من الدعم والتعاون والثقة المتبادلة.

اليوم، وبعد انتهاء التدريب، يشعر إسلام أن “يلا تشينج” لم يكن مجرد محطة مؤقتة في حياته، بل نقطة انطلاق جديدة نحو المستقبل. هو الآن أكثر حماسًا لتطبيق ما تعلمه على أرض الواقع، وصياغة مبادرة شبابية تسهم في دعم الفئات المتضررة ومساعدتهم على النهوض مجددًا.

أؤمن أن التعلم لا يتوقف، وأن ما بدأته في يلا تشينج هو فقط الخطوة الأولى. لديّ الكثير من الأفكار التي أريد أن أجسدها لمشاريع تخدم الناس وتساعدني أنا أيضًا على النمو”، يختم إسلام كلماته بكل باهتمام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *