مجتمع شبابي يواجه المعاناة بالعمل.. إنجازات فريق SDF Youth Hub في غزة
في قلب قطاع غزة، وحيث تصبّ آثار الحرب الإسرائيلية مزيدًا من الثقل على أكتاف الشباب والفتيات منذُ ما يزيد عن عاميْن، يصرّ SDF Youth Hub التابع للمنتدى الاجتماعي التنموي على المضي قُدمًا بمبادراته وأنشطته، التي شكّلت في الأشهر الأخيرة متنفسًا ومساحة آمنة للتعلّم والإبداع والتمكين، رغم كل الظروف الصعبة.
بين أصوات القصف ونقص الخدمات الأساسية، برزت جهود شباب وشابات SDF Youth Hub في مجال الصحة الإنجابية والجنسية كخط دفاع معرفي ومجتمعي يحمي المراهقين والفتيات من مخاطر الانتهاكات وفي ظل الظروف الحالية للنزوح وحياة الخيم الصعبة، ويفتح أمامهم آفاقًا جديدة للتوعية والتمكين النفسي والاجتماعي.
أنشطة عدّة، نفذها الشباب والشابات في إطار المشروع الذي ينفّذه المنتدى الاجتماعي التنموي، بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، تضمّنت تدريباتٍ مكثّفة ونوعية، للفتية والفتيات، وللشبان والشابات، في مواضيع مختلفة، حول الحماية من الاستغلال الجنسي، والتوعية بالصحة الإنجابية، والإسعاف النفسي الأولي.
إلى جانبها، انطلقَ الشباب في الميدان، بينَ خيم النزوح في شمال قطاع غزّة ومدينة غزّة، لتقديم عشرات الورش التثقيفيّة للأقران، بهدف زيادة الوعي بالمعاناة التي تعيشها الفتيات والنساء، وبهدف تجنّب الأضرار الكبيرة التي يُضاعفها النزوح، لاحقًا انتقلَ إلى جنبه، لتوسيع العمل وضمّ أكبر قدرة من الفائدة للمواطنين والنازحين، من الشباب واليافعين والفتيات.

الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسي (PSEA): تدريب نوعي للفتيان والفتيات
واحدة من أبرز محطات الإنجاز كانت تنفيذ تدريب مدربين (TOT) حول الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسي PSEA، بالشراكة مع شبكة “سند” وبدعم من منظمة الامم المتحدة للطفولة UNICEF.
شارك في التدريب 20 شابًا وشابة من متطوعي الهب الشبابي، نصفهم من اليافعين (15–18 عامًا)، وهي الفئة التي يتم استهدافها لأول مرة بشكل مباشر في هذا السياق، فيما كان النصف الآخر من الشباب (19–22 عامًا).
على مدار يومين من التدريب، انخرط المشاركون في نقاشات عملية ومحاكاة واقعية تناولت: التعريفات الأساسية للاستغلال والانتهاك والتحرش والتمييز بينها، المبادئ الأساسية الستة للحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسيين، عوامل الخطورة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتكنولوجية، آليات الإبلاغ وأنواعه، والنهج المرتكز على الضحية، والسياق الغزّي المتغيّر بفعل الحرب، وكيفية تعاطي المؤسسات المحلية مع الظاهرة.
وقال خالد حمدان، مقدم التدريب التدريب: “شكّل تحديًا حقيقيًا، وذلك بسبب تباين الفئة العمرية للمشاركين، والتي تراوحت ما بين 16 و20 عامًا. كما أن حساسية الموضوع المطروح جعلت من المهمة أكثر دقة وتعقيدًا”.

وأضاف: “رغم حداثة المفاهيم المطروحة، وفي ظل الظروف الحالية، إلّا أن الشباب أثبتوا قدرتهم على استيعاب الأمر وإدراكه، ومحاولة تغيير مجتمعهم وتطويره، من خلال المفاهيم والتدريب الجديد. كانت النتائج إيجابية بشكل ملحوظ.. ظهر تفاعل المشاركين بوضوح، وتمكنوا من استيعاب المحتوى واكتساب المعرفة بشكل مُرضٍ وفعّال”.
“دكان الهاب”.. مساحة إبداعية للتوعية بالصحة الإنجابية
من زاوية أخرى، انطلقت مبادرة “دكان الهاب”، التي تُعد مساحة إبداعية لإنتاج مواد توعوية متنوعة حول قضايا الصحة الإنجابية، المهارات الحياتية، والمشاركة الفعالة.
حوّلَ الفريق المبادرة إلى مرجع بصري ومعرفي يتيح للشباب والمراهقين الاطلاع على بروشورات، ملصقات، مصممة بلغة شبابية وبلمسة فنية معاصرة. كما تم تخصيص زاوية داخل “الهب” لعرض هذه المواد وتبادلها، ما جعلها مساحة متجددة للتعلّم وتبادل المعرفة.
نُفّذت المبادرة على مدار أربعة أيام، في عدّة مواقع، منها مقر المنتدى الاجتماعي التنموي ومدارس ومراكز الإيواء بمدينة غزّة. شارك فيها 15 من شباب متطوعي المُنتدى، وزّعوا فيها 2500 بروشور توعوي على المجتمع من النازحين، حول مواضيع متنوعّة، ويستعد لإطلاق الجزء الثاني من المبادرة، بعد نجاحها في المرّة الأولى.

الإسعاف النفسي الأولي.. نحو جيل قادر على الدعم
أما في ظل الضغوط النفسية الهائلة التي يعيشها سكان غزة، نفّذ “الهب” تدريبًا موسّعًا في الإسعاف النفسي الأولي (PFA) استهدف 20 شابًا وشابّة من محافظات غزّة وشمال القطاع ودير البلح، تراوحت أعمارهم بين 18 و26 عامًا.
وعلى مدار 30 ساعة تدريبية، اكتسب المشاركون مهارات أساسية حول: فهم تأثير الأزمات على الصحة النفسية، تقديم الدعم النفسي الفردي والجماعي، تقنيات الاستماع الفعّال والتواصل الداعم، إدارة الطوارئ النفسية وبناء المرونة، والإحالة الآمنة وآليات المتابعة لضمان جودة التدخل.

ورش التوعية.. مساحة للفتيات والنساء
على امتداد شهور المشروع الأخيرة، نفذ الفريق أكثر من 25 ورشة توعوية استهدفت الفتيات والنساء والمراهقات واليافعات تحت عنوان “مُبادرة خيمة البنات”، ناقشت موضوعات حيوية تمس النساء والفتيات وحياتهنّ في ظلّ النزوح والمعاناة الكبيرة.
الصحة الإنجابية والجنسية، الحمل والرضاعة، النظافة الشخصية والصحة العامة، القضايا المهمشة.. وغيرها من المواضيع، تطرّقت إليها هذه الورش، التي قادتها صبايا وشابات “الهب”، بعد تدريبٍ مكثف حول “تثقيف الأقران”.
ورشة “إنتِ مش لحالك”، جاءت للحديث حول العنف المبني على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى ورشة “وعي مبكر ضد الزواج المبكر” و”زواج مبكر يساوي حلم مؤجل”، لمناهضة الزواج القسري، وورشة “جميلة”، وورشة “النظافة أساس حتى في أصعب الظروف”.. بالإضافة للمزيد من الورش التي عملت على تعزيز مفاهيم النظافة الشخصية، وطُرق مواجهة العنف الجنسي.
استهدفت الورش فتيات تتراوح أعمارهن بين (12-18) عامًا، ونُفذت في مواقع مختلفة بمحافظتي غزة والشمال، شملت مراكز إيواء ومدارس ومخيمات نازحين، إلى جانب المساحات التعليمية التي أنشأها المنتدى في هذه المناطق.

قبل الورش، جرى تدريب 20 شابة على مدار أربعة أيام، لبناء قدراتهن في التيسير والتثقيف التفاعلي وتقديم الدعم المعرفي للفتيات بطريقة مبسطة وآمنة. ولم تكن هذه الورش مجرد جلسات تعليمية، بل تحولت إلى منصات للنقاش المفتوح، وكسر حواجز الصمت والخوف، وتبادل الخبرات بين الأجيال.
شاهدنا الحماس الكبير الذي حملته الشابات معهن، خلال التوجه نحو الورش. عدا عن التجهيز الكبير والدعم الذي لاقينه من المنتدى الاجتماعي التنموي لتنفيذها، إذ داومت على عملية تدريب مكثفة لأيامٍ طويلة في الهاب الشبابي.
تقول رزان أبو حامدة 25 عامًا، إحدى مقدمات الورش، ومن شابات “الهب”، إن “ردود الفعل الإيجابية بعد ورشتي عن ‘النظافة أساس حتى في أصعب الظروف’ كانت دافع كبير إلي. حسّيت قديش في ناس عطشانة للوعي والتغيير، وقديش الكلمة ممكن تترك أثر. التجاوب أعطاني طاقة، وأكدلي إنو كل جهد ممكن يكون بداية فرق حقيقي”.
روح الشباب في مواجهة الواقع
رغم الحرب والحصار، أثبت شباب “SDF Youth Hub” أن الإرادة أقوى من القيود، وأن المعرفة يمكن أن تكون خط الدفاع الأول عن الحقوق والصحة والكرامة.
عن تجربته في تدريب شباب “SDF Youth Hub“، يقول أحمد مُرتجى، أحد أبرز المُدربين الذين تنقلوا مع الشباب في مراحل مختلفة: “لم نكن نملك الكثير: وقتًا قصيرًا، ومواردَ شحيحة، وطريقًا مليئًا بالعوائق. لكننا امتلكنا ما يكفي لنبدأ. في تدريبٍ مدته ساعات قصيرة، بنينا مع الشباب مهارات تثقيف الأقران وقيادة المبادرات المجتمعية، ثم تركنا الباب مفتوحًا: أن يعود كلٌّ منهم إلى حارته وخيمته ومساحته ليجرب. ويعودوا لنا بأفكارٍ نطورها معًا لتصبح واقعًا يُمارس، ويغيّر”.

وتابع القول: “أقام الشباب جلساتٍ تثقيفية، ونصبوا خيمةً للفتيات كمساحةٍ يتعلّمن فيها ويتكلمن بلا خوف ويكتشفن لغةً آمنة لأسئلتهنّ. ومبادرات مجتمعية تجعل من الواقع المر.. فيه نوعاً من الحلاوة. كشف لنا الواقع نقص المساحات الآمنة لشهورٍ طويلة من الحرب. والمساحات النادرة التي تعمل مع الشباب، وصعوبة توفير الضيافة والاحتياجات الأساسية”.
وأضاف مُرتجى: “خرجت توصياتنا واضحة: ابدأوا بمساحات الدعم النفسي والتفريغ، واستمرّوا بلقاءاتٍ دورية يقودها الشباب مع متابعة ميسّر، وثبّتوا مهارات الحوار والتيسير والعمل الإنساني في الطوارئ كجزءٍ من روتين أي مبادرة. عندها فقط، تحوّلت المساحات الآمنة التي خلقها المنتدى الاجتماعي إلى عادةٍ مجتمعية”.
الشباب.. قادة حقيقيين
تقول ياسمين مهنا، منسقة “الهب الشبابي”، من خلال متابعتها مع الشباب، إنها تُعايش يومياً قصص الشباب وتجاربهم تحت النزوح والحرب، ورغم كل ما يحيط بهم من قسوة، تجدهم مدهشين في قدرتهم على الاستمرار والتحدي.
تتحدث مهنّا بشغفٍ عمّا تراه، وتُضيف: “لم يكتفوا بالصمود فحسب، بل انطلقوا ليقودوا مبادرات مجتمعية تلبي احتياجات عائلاتهم ومحيطهم، فكانوا منظمين للأنشطة التوعوية في المراكز والمخيمات، وحملةَ رسائل إيجابية عن الصحة والحقوق والوعي.. هم أيضاً الذين يقبلون على التدريبات بروح عطشى للمعرفة، يكتسبون المهارات الجديدة ويعيدون نقلها إلى أقرانهم، ليصنعوا دوائر أوسع من الأمل والتأثير”.

أرى فيهم قادة حقيقيين، ليسوا مجرد مستفيدين، بل شركاء في البناء والتغيير
تحكي مهنا وتصِف ما يعيشه الشباب. وتُضيف: “وبصراحة، كلما شعرت بثقل الواقع، أستمد منهم القوة والإصرار، فهم مصدر إلهامي اليومي، وهم الدليل الحي على أن الإرادة الإنسانية قادرة على تجاوز أقسى الظروف وصياغة مستقبل أكثر عدلاً وكرامة”.
الطريق طويل.. لكنهُ يبدأ بخطوة
رغم أنّ الشباب يُدركون طول الطريق، وبعد حربٍ ضخمة أحرقت كلّ التفاصيل البسيطة والكبيرة في حياتهم، من المنزل، إلى الشارع، حتى المؤسسات وكلّ المباني والذكريات، ويعرفون أنّ ترميم وإعمار كلّ ذلك يحتاج عدّة سنوات، وإرادة سياسيّة كبيرة، لكنهم يعرفون أنّ في يدهم شيءٌ آخر.
شباب SDF Youth Hub يؤمنون بالتغيير، وبأنّ إعمار الوعي والعقل والأمل، لا يقلّ قدرًا عن إعمار الحجارة التي تأسست منها كلّ شيءٍ سابقًا. لذلك، لا زالوا مُستمرين، ويحاولون كلّ يوم، مع كلّ مبادرة وكلّ ورشة، وفي كلّ فعالية وفكرة جديدة، إصلاح شيءٍ أضرّت به الحرب، ومحاولة تقديم شيء جديد لشخصٍ ما في غزّة.

