غزل السلطان.. بين الاشتياق للمدرسة والتعلم في خيمة، أملٌ آخر

تعيش غزل السلطان، الطفلة البالغة 13 عامًا، في خيمةٍ مثل غيرها من الأطفال النازحين إلى وسط قطاع غزّة. لم تكُن حياتها سوى كحياة النازحين المُملة والمُتعبة، قبل انضمامها إلى الخيمة التعليميّة التي افتتحها المُنتدى الاجتماعي التنموي في مخيم “عشان فلسطين 3” في مدينة دير البلح.
تعيش غزل في مخيم “العزة” المشهور بـ”عبد الرحمن أبو جميزة”، كانت في الصف السابع قبل بدء الحرب ومعاناة النزوح الطويلة، لم تدرُس خلال هذه الأشهر ولم تعتَد سوى على المُساعدة في نقل المياه والجلي وغسيل الأواني، والتعب الطويل الذي تعيشه السيدات والبنات في القطاع.
قصة نزوح مُرهقة
عانت عائلة غزل مثل غيرها من الحرب، في البداية بقيت في شمال قطاع غزّة، نزحت العائلة إلى إحدى المدارس هُناك، حاولت الخروج إثر نداءات جيش الاحتلال بالإخلاء، لكن ومع صعوبة الوضع اضطرّت العائلة جراء الخوف، إلى الإخلاء نحو مدرسةٍ أُخرى، قبل هربها باتجاه جنوب القطاع تحت وطأة الدبابات والقصف المدفعي المكثّف، وغارات الطيران.
هربت العائلة بصعوبة نحو مخيم النصيرات وسط القطاع، عاشت عدّة أشهرٍ هناك قبل أن تنتقل نحو مدينة رفح إثر إخلاء المُخيم المُحاذي لمنطقة “نيتساريم”، لكن هذا النزوح لم يكُن الأخير، فقد طُلب من العائلة مثل مئات الآلاف غيرها إخلاء رفح الحدوديّة، لتهرب من جديد نحو دير البلح.
تعيشُ غزل مثل غيرها من الناس، على الطعام من التكيات، في ظلّ غلاء الأسعار. تنقلُ المياه، تقفُ في الطوابير انتظارًا لتعبئة بعض مياه الشُرب المُحلاة، تأخذُ دورها في مُساعدة الأُم في غسل الملابس، أو ترتيب الخيمة، وفي هذا السياق ينحصرُ شكلَ الحياة.
العودة إلى التعليم
“إلي شهر ونصف بدرس في المساحة التعليميّة.. الأجواء منيحة، المدرسين كتير بفهموا والشرح منيح”، بهذه الكلمات الإيجابية تتحدّث غزل عن مساحة “عشان فلسطين 3” التعليميّة، التي افتتحها المُنتدى الاجتماعي التنموي ضمن شراكته مع “يونسيف“، في إطار مشروع شبكات شبابية لتعزيز الرفاهية والتعلم للأطفال واليافعين.

تتعلّم غزل موادًا مختلفة، على رأسها اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم العامّة، ويدمجُ المُعلمين التعلم النشط واللامنهجي، مع المنهاج الدراسي للأطفال.
تقول أيضًا “التعليم هنا مُختلف، في عنا أنشطة تفاعلية ومجموعة ألعاب. في أنشطة تعليمية مختلفة، وفي يوم مفتوح كلّ أسبوع مع المعلمات”. بهذه الكلمات تصف غزل العملية التعليمية خلال الأشهر الماضية، فالمعلمون بالنسبة لها ليسوا مجرّد مُقدمي خدمة، بقدر ما هُم أشخاصًا عملوا إضافةً هامّة للأطفال والفتية في المكان.
ساهمَ توجّه غزل إلى المساحة التعليميّة في تغيير أجواء حياة النزوح، فالحياة اليوميّة للنازح مُملّة ومُتعبة، إلّا أن حضورها اليومي إلى هذا المكان، جعلها تتعرّف على أطفالٍ جُدد، غيرها، وتكوين صداقاتٍ مُختلفة، ما يُضيف إليها أحاديثَ وتفاصيل يوميّة.
اليوم بس صرت أجي على الخيمة التعليمية صرت أحس إنو في فرق في وقتي، أقضي وقت مختلف في المدرسة أتعلم أستفيد، أروح أحل الواجب أقضي وقت مختلف بين المواد التعليميّة.
غزل السلطان

وتُضيف “الحياة في الخيمة قبل التعليم، كانت سيئة، قاعدة لحالي زهقانة ما في حاجة أعملها، إلي أختين وشقيقيْن.. ما في شيء أعمله إلا إني أغسل أعبي مياه، أجلي، نشتغل ونقعد وبس”.
تتحدّث الطفلة عن المُعلمين، وتقول “بحسهم إنهم أهلي مش مُجرد مُعلمين“، ذلك لتفهّم المعلمين للمعاناة والظروف التي يعيشُها الأطفال، ودفعهم نحو وضعٍ أفضل، وتفهّم حالتهم النفسية التي خلقتها الحرب خلال أكثر من 14 شهرًا مضت.
تمدحُ غزل بمُعلميها، لتُشيد بدور المُعلمة “إسلام ناجي” مُعلمة اللغة العربية قائلةً إنها “أفضل مُعلمة، وأشهر أنها أُمي، لأنها قريبة منا كطلبة”، أمّا المُعلم عدنان فـ”شرحه مميّز جدًا”.
الاشتياق إلى المدرسة.. والأمل من جديد
كان شعورًا غريبًا بالنسبة إلى غزل السلطان، أن تدخُل إلى الخيمة التعليميّة، تقول “حسيت بشيء غريب ومُختلف عني، أدخل خيمة تعليميّة”، لكن الشعور يبقى جيدًا بالنسبة لها، أن تتنقل بين خيمتها والمخيمات الأخرى وصولًا إلى المدرسة، إذ تندمج مع الأطفال والناس.

كانت غزل تدرس سابقًا في مدرسة “الفردوس” في مدينة بيت لاهيا الشمالية في قطاع غزّة، تتذكّرُها غزل بشوقٍ كبير، وتتمنى العودة إليها، فالتعلّم بين الجدران أفضل من التعلّم داخل خيمة.
تقول غزل “بشتاق للمدرسة لمعلماتي وصحباتي فيها، نفسي أرجع للمدرسة، أحلى من التعليم في الخيمة بشكل كبير. مدرستي في غزة دخلها الاحتلال، لكن حتى الآن هي موجودة. إن شاء الله حنرجع إلها ونكون فيها بوقت قريب”.