Go Digitalالمشاريعقصص

كان بالامكان إطلاق مُسمّى تدريب بدلاً من مدرسة لكن المنتدى أراد ان يكون للتجربة وقعاً مميزاً

سندس الفيومي

كان بالامكان إطلاق مُسمّى تدريب بدلاً من مدرسة، كان بالامكان تسميتهم قاعات بدلاً من صفوف، ومتدربين بدلاً من طلاب ومدربين بدلاً من أساتذة ومنسقة مشروع بدلاً من مديرة مدرسة، كان بالامكان لنا أن نرتدي ما نشاء بدلاً من توحيد زيٍّ كُتِب عليه اسم مدرستنا، كان بالامكان إعلان وقت استراحة بدلاً من قرع جرس المدرسة لإعلان وقت الفسحة، لكن المنتدى أبى أن يكون عادياً، كعادته يجعل لكل تجربة وقعاً مميزاً، ذكراً حاضراً، وأثراً لا يزول.

بعد أول يوم قضيته في مدرسة Go School اجتاحتني موجة من البكاء مساءاً، حجم المفارقة بين التجربتين قد أضرم داخل عقلي الكثير من التساؤلات المتمردة، كيف ليومٍ أن يشعرني بهذا الكم من الحضور والكَينونة، وكيف لأعوام أشعرتني بوجودٍ شفافٍ باهت، أنا ممتنةٌ للمنتدى لإعادة تجربة المدرسة بشكل أقرب للمثالية فقد عِشتُ ستة أيامٍ مزهرة، أنا ممتنةٌ للمنتدى لوهجِ الشعور الذي أحسسته بأنني أُسمع وأُرى واُقدَّر. 

عائلة المنتدى ليست سوى واقعٍ مصغر لما تحاول أن تزرعه فينا من حب الغير والشعور بما يعانيه الآخر، فقد تعززت لدينا رابطة مجتمعية تجمعنا تحت ظل التآخي في مجتمع عانى الكثير لكنه لازال يكافح ليسمو؛ فما تعلمناه من مبادئ المجتمع المدني هو كون أفراده شاعِرين بالمسؤولية المجتمعية تجاه ما لا يمسهم من قضايا مجتمعية. تجلى ذلك في مناصرة كل فردٍ فينا لقضية الآخر من محافظة أخرى، أؤمن أن هذا ما يميزنا كمجتمع فلسطيني من كل بقعة فيه، هي عمق أواصرنا الغائرة في علاقاتنا الثابتة رغم اختلافاتنا. بعد تجربة  Go School تعمق لدي مفهوم الوحدة المجتمعية فقد جمعتنا اختلافتنا ولم تفرقنا. فالكثير منا قد سمع لأول مرة عن قضية زميله القاطن في بقعة أخرى فتقصى عنها وناصرها، أنا سعيدة جداً لتوسع مداركي التي كانت محدودة، وسعيدة جداً بالتكاتُفِ الذي عايشته في هذه التجربة.

لم يقتصر ذلك على مناصرتنا لقضايا ومبادرات بعضنا البعض فحسب، بل على صعيد شخصياتنا أيضاً قد ساهم كل منا فيما يبرع فيه من معرفة، ساندنا وشجعنا بعضنا البعض في كل عقبة واجهتنا و في كل ضعفٍ اعتلا هممنا. فعلى الصعيد الشخصي، وقفتُ في اليوم الأول أُلقي نصاً كتبته عن حقوق الإنسان، وقفتُ مرتجفةً ألقيه بصوت مرتبك، تلقيت بعدها تشجيعاً حاراً ومن حينها إلى الآن لازلت أتلقى دعماً وأصوات تهمس لي بأنني أستطيع فعلها بنبرةٍ مستقيمة تملؤها الثقة. في مدرستي ينتزعونك من وحدتك ثم يخرجون أفضل ما فيك، في مدرستي خُطواتنا الصغيرة يُثنى عليها وتُقدّر، في مدرستي يتخاطبون باللُطف لا بالعربية العامية. 

في ستة أيامٍ تناولنا الكثير مما ينضوي تحت مفهوم التعلم المدني كالمُواطنة، الديمقراطية، المساءلة والمناصرة المجتمعية وأدواتهما، وختاماً بالمبادرات المجتمعية التي أهلتنا لتقديم وعرض مبادراتٍ استثنائية سيجري العمل على بعضها في الأشهر القادمة. لم يكن تعلماً جافاً بل كان مفعماً بتبادل شيِّق للمعارف، ولم نطّلع على المفاهيم من زاويةٍ نظريةٍ فحسب، بل عايشناها فزُرنا العديد من المبادرات التي طُبِّقت بالتعاون مع الهيئات المحلية. لطالما شعرت بطاقة شبابيةٍ مهدرة في داخلي، لكنها الآن قد وجدت مُستقرَّها بين أروقة المنتدى الداعمةِ للشبابِ الفاعل. ففي ظل وجود برامج كالتي يقدمها المنتدى لن تعد طاقة شبابنا مُهدرة بعد الآن، خصوصاً في ظل وجود لجنة المنتدى الحاضنة لأفكار الشباب والمساندة لتطلعاتهم. 

أنا وكل زملائي في صفنا العبق بطاقةٍ شبابية حالمة مُمتنون للمنتدى ولأستاذنا د.طلال ولمدربنا محمد ولمديرة مدرستنا هديل ولكل فرد داعمٍ في المنتدى لايمانهم بنا وبمبادراتنا من لمّا كانت فكرةً عابرةً مع الرياح إلى فكرةٍ تقبع على الورق بحبر أزرق ثم حاضرة أمام الجمهور بتألق، ونحن الآن نرقُبها لتصير واقعاً بين المارّة والعربات. لا يسعني ذلك إلّا تذّكر ما قاله لنا مُعلمنا العظيم د.طلال أبو ركبة مراراً وتكراراً: “احلموا” مُشيراً لرائعةِ عزيز أباظة “كَانَ حُلمًا فخَاطِرًا فاحتِمَالاً .. ثمَّ أضحَى حقِيقةً لا خيَالَاً!” زارعاً فينا الإرادة لنتمرد على اعتيادية الأفكار والأمل لنؤمن بقابلية جعلها حيّة. إن التغيير الحقيقي يبدأ بالايمان، إيمانٌ داخليٌ بالقدرة على صنع قرار غير مسبوق أو تغيير سياسةٍ جائرة لإحداث الأثر المَنشود والمُرتقب، لأننا نستطيع ولأن أصواتنا ليست مكبوتة، بل عالية ومسموعة.

المنتدى الاجتماعي التنموي

مؤسسةٌ أهليةٌ تعملُ في فلسطين، أُسِّسَت عام 2006م، بمبادرة من مجموعة من النشطاء الشباب؛ من أجل بناء نموذجٍ أهلي مهني ،قادر على تقديم الخدمات المجتمعية باستثمارٍ أفضل للموارد والإمكانيات المتاحة، وتحقيق رؤية تنموية، وفق منهجٍ شمولي قائم على احترام حقوق الإنسان، والقانون، والقيم المدنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى